دمشق/ مفيد نجم
قبل محاولة رسم أي تصور مفترض للمآلات، التي يمكن أن تنتهي إليها الثورة السورية ،لابد أولا وكمدخل للوصول إلى هذه الغاية، من الإجابة عن سؤالين مهمين، أولهما ما الذي جعل النظام المجرم يعلن الحرب على الانتفاضة الشعبية السلمية منذ أيامها الأولى، ويسعى جاهدا لجرها من طور السلمية، إلى طور المواجهة العسكرية، التي يمثل فيها الطرف الأقوى ،وذلك من خلال عمليات الإجرام المنظمة، وانتهاك الأعراض وارتكاب المجازر المتنقلة، ما دفع قسما من الحراك الشعبي وعناصر الجيش السوري المنشق لحمل السلاح دفاعا عن النفس أولا ،ومن ثم من أجل إسقاط هذا النظام المجرم.
أما السؤال الثاني فيتعلق بالأسباب التي جعلت الموقف الدولي عاجزا عن التدخل الفعَّال، بصورة مباشرة، أوغير مباشرة لوقف المذبحة، التي يرتكبها النظام بحق الشعب السوري، الأمر الذي جعل النظام يتمادى في ممارسة أبشع أنواع الإجرام، دون أن يحسب أي حساب لما يمكن أن يترتب على هكذا أفعال، يعدّ الصمت عنها وصمة عار في جبين العالم المتحضر، وقيمه الإنسانية التي يدَّعيها.
لقد بدا واضحا منذ الأيام الأولى للثورة، أن النظام المجرم قد اتخذ خيار القمع والإرهاب، الذي اعتاد عليه كسياسة طوال الحقبة السابقة، لسحق الانتفاضة الشعبية، وأنه قد استعد لمواجهة أي احتمال مفترض لأية هبة شعبية مفترضة ، تحت تاثير ثورات الربيع العربي، ولذلك سارع الخطاب السياسي للنظام منذ البداية، إلى اتهام الحراك الشعبي بالعمالة والارتهان لمخططات الخارج، لتبرير سياسته القمعية، إلى جانب الترويج الفاضح لمسألة الطائفية،
والحديث المستمر عن سعي القوى المتطرفة إلى إقامة إمارات سلفية، في محاولة منه لتحقيق غرضين اثنين ،الغرض الأول منهما داخلي، ويتمثل في دفع ما أصطلح على تسميتهم بالأقليات في المجتمع السوري للالتفاف حوله، والحؤول دون انخراطهم في الحراك الشعبي، والغرض الثاني خارجي ،ويهدف لللإيحاء للغرب وأمريكا بأن مجموعات إسلامية متطرفة، تقف وراء هذه الأحداث،
سعياوراء إسقاط النظام) العلماني( في سوريا، ما سيشكل خطرا على الاستقرار في المنطقة، وفيالمقدمة منه أمن واستقرار إسرائيل، ولعل التصريح الشهير لحوت مافيا المال في سوريا راميمخلوف للصحافة الأمريكية، عن ارتباط أمن إسرائيل بأمن النظام، هو التعبير الأمثل عن تلك
57
المحاولات، التي ما يزال العامل الإسرائيلي مدخلا أساسيا لفهم موقف الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا من الثورة السورية. لقد انطوى خطاب النظام المزدوج على تناقض ومغالطات فاضحة، ففي حين حاول النظام أن يوحي لقوى اليسار وللرأي العام العربي أن هذه الانتفاضة ،هي مجرد مؤامرة تقف وراءها إسرائيل والولايات المتحدة، وقوى أصولية إسلامية في المنطقة لضرب قوى الممانعة، التي يشكل النظام قاعدتها في المنطقة،
كان خطابه الإعلامي يحاول في الآن ذاته أن يقنع الغرب بخطورة أي تغيير على الأمن والاستقرار في المنطقة، يمكن أن يحدث في حال سقوط النظام، ووصول القوى الأصولية المتطرفة إلى السلطة. لقد استند النظام في اختياره للحل الأمني إلى جملة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، التي عمل على تأمينها في إطار استراتيجيته لتحقيق استمرار نظامه واستقراره ، ودوره كلاعب أساسي في المنطقة.
العامل الداخلي
لجأ النظام إلى إقامة شبكة علاقات وتحالفات داخلية معقدة قبل وصوله إلى السلطة مع قوى اجتماعية وسياسية مختلفة، دينية وتجارية وعسكرية وحزبية، ضمنت له التأييد والدعم والقاعدة الشعبية.
بعد أن استطاع قبل هذا ومعه أن يؤمن هيمنته على المؤسسة العسكرية مسبقا، بعد نجاحة في إزاحة رئيس هيئة الأركان أحمد سويدان عام 1968، وتعيين حليفه التابع مصطفى طلاس رئيسا للأركان، مما ضمن له السيطرة الكاملة على المؤسسة العسكرية، لاسيما بعد أن قام بتسريح كل العناصر العسكرية، المناوئة له، أو المشكوك في ولائها.
لقد استفاد الأسد كثيرا داخليا وعربيا ودوليا، من النهج السياسي لخصومه في السلطة والحزب، عندما قدّم نفسه بوصفه الشخصية المعتدلة، والمنفتحة على محيطها العربي، والقابلة للتفاهم والتعاون، بما في ذلك استعداده للاعتراف بالقرارات الدولية 242 و338، وإعادة العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة، ما جعل وصوله إلى السلطة مؤمنا من قبل جميع الطراف، في الوقت الذي كان يتفاوض فيه مع السوفييت، على تأمين مصالحهم عبر منح الحزب الشيوعي السوري دورا في المرحلة القادمة من خلال ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية، واستقدام المئات من الخبراء العسكريين السوفييت، والاستمرار في النهج)
الاشتراكي(. لكن رأس النظام عمل منذ الأيام الأولى لوصوله إلى السلطة وفق أجندته الخاصة، إذ قام باستبدال جميع قادة الكتائب والسرايا العسكرية المحيطة بمدينة دمشق، والذين يقدر عددهم بأربعة وعشرين ضابطا من الطائفة السنية، بضباط موالين له من طائفته، انطلاقا من إدراكه لأن من يسيطر على دمشق العاصمة، يسيطر على سوريا كلها. قبل هذا عمل الأسد أثناء توليه وزارة الدفاع بعد انقلاب شباط 1966على الاحتفاظ بقيادة القوى الجوية لخطورتها، وتكوين تنظيم عسكري، بإشراف شقيقه رفعت الأسد،
أطلق عليه اسم سرايا الدفاععام 1968 تمهيدا للسيطرة على دمشق وتأمين حماية النظام، وهو ما توضح لاحقا بعد التوسعالكبير في عدد منتسبيها خلال مرحلة السعينيات من القرن الماضي، من خلال استقدام المزيد منالطلاب الفاشلين دراسيا، والباحثين عن فرص عمل من مناطق الساحل السوري تحديدا، ليصلعددها إلى عشرات الآلاف، وتبدأ بالسيطرة على المواقع الاسترلتيجية المحيطة بالعاصمة،
بعد أن كانت سيطرت على المطارات العسكرية منذ بداية تشكيلها. إضافة إلى ذلك عمل على تجريد وزارة الدفاع، من سلطتها الفعلية على الجيش، من خلال إناطة كل القرارات المهمة والأساسية به شخصيا، بعد أن استحدث لنفسه منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، مما أفرغ تلك الوزارة من أي سلطة مؤثرة، على واقع المؤسسة العسكرية، كما كان عليه الحال أثناء توليه هو لوزارة الدفاع.
العامل الثاني والهام الذي قام به الأسد، هو، العمل على اجتذاب الطائفة العلوية إليه وتكريس ولائها له، من خلال منحها امتيازات خاصة، على مستوى رموز عشائرها الأربعة ،العسكرية والدينية، وفي هذا الصدد يروي باتريك سيل في كتابه سيرة الأسد، بأن رئيس الوزراء عبد الرحمن خليفاوي كان عليه أن ينتظر مدة ستة شهور ليتمكن من مقابلة الأسد، في حين كان أي شيخ من شيوخ الطائفة العلوية، يمكنه أن يقابله خلال ساعات.
يقف وراء هذا النهج الذي سيتكرس أكثر في عهد الأسد الابن عاملان مهمان، تركا أثرهما الهام على واقع الصراع الاجتماعي الداخلي، لاسيما في المرحلة الراهنة، العامل الأول أن الأسد ينتمي إلى أصغر العائلات العلوية ،بينما كان اللواء محمد عمران الذي قام باغتياله في مزرعته بطرابلس لبنان، واللواء صلاح جديد ينتميان إلى عشائر علوية أكبر وأكثر نفوذا داخل الطائفة والجيش السوري، بينما كان الضباط الذين أدخلهم الأسد إلى الجيش ما يزالون يحملون رتبا صغيرة، لا تمكنه من السيطرة على الجيش.
وفي إطار سياسته لاحتواء الطائفة، وضمان التفافها حوله لجأ النظام إلى ربط مصالحها به بصورة مباشرة وعملية . لقد قامت سياسة النظام على مبدأ اساس، هو السيطرة على القوات المسلحة أولا، من خلال فتح المجال الواسع أمام الشباب العلوي للتطوع في الجيش، مستغلا عدم وجود أي فرص عمل تذكر في مناطقه المهمشة لتأمين حياته ومستقبله سوى التطوع في الجيش، وبعد أن تحقق هذا الهدف بدأ بتسليمهم المواقع الحساسة في السرايا والكتائب والألوية ،للهيمنة على تلك الوحدات العسكرية والتحكم بها، خصوصا بعد توقيعه لاتفاق فصل القوات مع العدو الإسرائيلي عام 1974، وتكريس حالة اللاسلم واللاحرب معه، ما جعل المؤسسة العسكرية التي عمل على تحويلها إلى جيش عقائدي، تترهل وتزداد فسادا من خلال المكاسب والامتيازات الكبيرة،
التي منحها لقادتها بهدف ضمان ولائهم الكلي له. أما على مستوى العلاقة مع الطبقة التجارية لاسيما في مدينة دمشق، فقد بدا التفاهم بين رأس النظام وبينهم واضحا منذ البداية ،كما تجلى في لافتات الدعم والتأييد التي رفعوها على مداخل الأسواق التقليدية في دمشق ،بعد أن وعدهم بتحقيق الانفتاح الاقتصادي، الذي يضمن مصالحهم، انطلاقا من إدراكه لأهمية حصوله على تاييدهم لسياساته الداخلية في تحقيق الاستقرار،
لكنه في الآن ذاته، وكما عمل فيالمجالات المختلفة الأخرى وفق أجندته الخاصة، بعيدا عن أي اعتبار لمصالح القوى الحليفة له،مكتفيا في إطلاق يدها في الموقع المخصص لنفوذها، عمل على تفتيت البنية الاجتماعية لمدينةدمشق، عندما اجتذب مئات الآلاف من أبناء الأرياف إليها، للعمل في المؤسسات والمعامل، التي
59
قام بتركيزها فيها بعد تدفق أموال النفط الخليجي عليه، مما أثر كثيرا على واقع التنمية في الريف، وولد أزمات مستفحلة في دمشق، التي بدأت أحياء العشوائيات تتنامى فيها وتكتسح غوطتها، لكن الأهم كان إقامة ما يشبه المستوطنات
العسكرية لعائلات قوات سرايا الدفاع وسرايا الصراع والأمن والحرس الجمهوري، والتي تتكون أغلبيتها الساحقة، من أبناء الطائفة العلوية داخل دمشق، وعلى أطرافها) السومرية- المزة 86- مساكن الحرس بدمر- مساكن الحرس في قدسيا، وفي جديدة الشيباني- مساكن يعفور- حي السكة بمخيم اليرموك- الدخانية طريق المليحة- مساكن الحرس مفرق صحنايا( والتي ستكون خزانا أساسيا للشبيحة والمجرمين، الذين يمارسون أبشع أنواع الإجرام والمذابح بحق المواطنين ورموز الحراك السلمي، في دمشق وريفها بصورة خاصة.
بالمقابل سهل النظام أمام أبناء تلك العائلات وأقاربهم، الذين بدأوا بالتوافد إلى العاصمة، والتمركز فيها فرص العمل في الدوائر والمؤسسات الحكومية، ضمن خطته للهيمنة على المواقع الحساسة داخل المؤسسات الإعلامية والتربوية والاقتصادية والإدارات الأخرى.
ويمكن اعتبار ما حصل في التلفزيون والصحف السورية ومكاتب الصحف العربية، التي كانت وما زالت تحتكر وزارة الإعلام منح التراخيص لها، لاسيما بعد أن أصبحت هذه الوزارة السيادية حكرا على الوزراء العلويين، خير مثال على هذا الواقع الجديد من السيطرة على مؤسسات الدولة.
إن هذه السياسة بمنطلقاتها الطائفية، كانت تهدف إلى ربط مصالح الطائفة به، باعتبارها الأكثر وثوقا بالنسبة له من جهة، ومن جهة أخرى لجعلها خط الدفاع الأول عنه، ولذلك لجأ في إطار استراتيجيته تلك، إلى تقديم الكثير من الامتيازات لها، سواء على مستوى المؤسسات العسكرية والأمنية، أوالمنح الدراسية الخارجية، أثناء تولي رفعت الأسد لمكتب التعليم العالي، في القيادة القطرية في سبعينيات القرن الماضي، لكن الأخطر كان هيمنتهم الكاملة على المؤسسات الأمنية
والعسكرية، التي بدأ نفوذها يتسارع ويتضخم، حتى أصبحت هي من يقود البلد، ويتحكم في ترتيب أوضاعه الداخلية. على صعيد آخر لجأ النظام ومنذ بداية وصوله إلى السلطة عام 1970إلى إقامة مجموعة من التحالفات الداخلية، على مستوى علاقته بالطوائف المختلفة، من خلال رموزها الاقتصادية والدينية والعشائرية، لربط مصالحها به، بحيث يضمن ولاءها ودعمها لنظام حكمه، ويضفي عليه نوعا من الشرعية. لقد تجلت تلك السياسة في توزيع المواقع والمسؤوليات المدروس داخل مؤسسات الدولة والجيش والحزب والإدارة المحلية، لكن دورها الوظيفي بقي في حدود العمل التنفيذي أو الهامشي، مقابل هيمنته الكلية على المواقع الأمنية والعسكرية الحساسة، صاحبة القرار في السلطة.
بعد انقلاب شباط 1966وتوزيع المسؤوليات بين أطراف التحالف الثلاث في هذا الانقلاب ،استطاع اللواء صلاح جديد أن يعيد هيكلة الحزب بالصورة التي يضمن فيها ولاءها له، من خلال موقعه الذي اختاره لنفسه كأمين قطري، ولذلك عمد النظام مع المجموعة الانقلابية، في خطوة لمواجهة حالة الرفض التي قوبلت بها حركته الانقلابية، من قبل الكثير من قيادات الحزب ،إلى تهديد تلك القواعد بحل الحزب من جهة، ومن جهة أخرى إشغالها في معارك جانبية مع القوى الناصرية على الساحة السورية، بعد تفعيل نشاطها وتعزيزه بقوة وكثافة، ما خلق حالة من الاشتباك العنيف بينها وبين كوادر الحزب، حتى استطاع تأمين المزيد من تاييد قيادات الحزب وعناصره، من خلال المفاوضات التي كان يجريها معها، وإغرائها بالمناصب والامتيازات التي كان يقدمها لها.
لقد كانت سياسة النظام المزدوجة على صعيد البعث تسعى لتحقيق هدفين في آن معا، توسيع قاعدته الجماهيرية من خلال إدخال المزيد من الأعضاء إليه، معتمدا في ذلك على احتكار الوظائف واشتراط الحصول عليها بالانتساب إلى الحزب ، ما أفقد الانتساب إلى الحزب دافعه العقائدي، وجعله لا يتعدى حدود المنفعة الشخصية. وبعد أن تمركزت جميع المسؤوليات السياسية والعسكرية والحزبية بشخص الرئيس، واختياره لقيادات ضعيفة وشديدة الولاء له، أصبحت وظيفة الحزب الذي تمركز حول شخص أمينه العام، تنحصر في الإمساك بمفاصل الدولة والمجتمع، وتطبيق سياساته، مقابل الامتيازات التي كان يقدمها لها. إن حاجة النظام لحزب البعث كانت نابعة من حاجته إلى وجود واجهة سياسية، تتخفى وراءها سياسة الاستفراد والاستحواذ المطلق على السلطة، إضافة إلى دوره في الترويج لسياسته على الساحة الحزبية العربية عبر توطيد علاقاته مع القوى والأحزاب القومية واليسارية العربية .
إن وظيفة الحزب لم تعد تتجاوز إطار التمجيد والتسويق والدفاع عن النظام، وقيادة ما يسمى بالمنظمات والنقابات الشعبية والمهنية، التي كانت وظيفتها احتواء وتأطير جميع قطاعات الشعب، والعمل على تسخيرها لخدمة مشروع النظام السياسي في الهيمنة والتسلط، واحتواء المجتمع. لقد كان يكفي الأمبن العام- الأسد أن يحضر الاجتماع النهائي للمؤتمر القطري، ويقوم بتزكية من يراه مناسبا لعضوية القيادة القطرية، من الأعضاء الذين يطمئن إلى ولائهم المطلق له، حتى يسارع المؤتمر إلى تزكيتهم، ما جعل الحزب يختصر بشخص أمينه العام وحده. لكنه مع تنامي دور الأجهزة الأمنية وسطوتها على الحياة العامة في سوريا، أصبح الحزب كغيره من قطاعات الحياة الأخرى خاضعا لسلطة تلك الأجهزة، بل اصبح البعثيون كتبة تقارير لتلك الأجهزة عما يدور في اجتماعات قيادات الحزب المختلفة. قبل هذا ومعه كان العمل الحثيث على تدعيم ركائز الدولة الأمنية، التي جعلت من أجهزة الأمن المتغولة باضطراد سلطة عليا، تخضع لها مؤسسات الدولة والحزب. لقد كانت شخصيات مثل اللواء علي دوبا واللواء محمد ناصيف تتمتع بنفوذ وتأثير واسعين، سواء على مستوى الدولة أو الحزب أو الجيش، أكثر مما يتمتع به رؤساء وزارات وقيادات حزبية عليا، أو شخصيات عسكرية وسياسية تعد من شركاء للأسد في انقلاب 1970، الأمر الذي يكشف عن مدى تغول تلك الأجهزة الأمنية والعسكرية) إدارات المخابرات العامةوالمخابرات العسكرية والأمن الجوي والأمن السياسي- سرايا دفاع والحرس الجمهوري وأمنالوحدات الخاصة( وخضوع الدولة لسيطرتها وسطوتها، ما أدى لقيام تحالف بين تلك الأجهزةوإدارات مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية الأخرى، يرعى الفساد، ويعممه، حتى أصبح لكل
61
موقع في الدولة ثمن محدد، أوخدمات أمنية، يجب على الساعي إليها أن يقوم بتأديتها، مقابل الحصول على هذا الموقع. من هنا يمكن أن نلاحظ مع اتساع الثورة واستمرارها غياب أي دور للحزب والحكومة، واقتصار القرار الأمني على دائرة ضيقة من الأسرة الحاكمة، ومستشاريها الأمنيين والعسكريين من الطائفة نفسها.
النظام: شبكة علاقات إقليمية معقدة
استطاع النظام أن يوظف الواقع الجيوسياسي لسورية في معادلات المنطقة بصورة كبيرة، فبعد علاقات التحالف القوية التي استطاع أن يقيمها مع نظام الملالي، في إيران منذ سقوط نظام الشاه، ويوظفها في معادلات المنطقة الجديدة، راح يعمل على تعميق ذلك التحالف، وينسج خيوطه القوية، انطلاقا من إدراكه بأن تحالفه مع النظام الجديد، والذي يتقاطع معه مذهبيا بصورة أو بأخرى، سوف يعزز موقفه في وجه عدوه اللدود في بغداد، نظام صدام حسين، وكان تحالفه معه أثناء الحرب العراقية- الإيرانية تعبيرا جليا عن محاولته لاستنزاف خصمه تمهيد لإسقاطه.
بعد انتهاء تلك الحرب الطويلة التي خسرتها إيران، كانت الاستراتيجية الإيرانية الجديدة، تقوم على التعويض عن خسارتها لتلك الحرب، في مد نفوذها في المنطقة العربية عبر البوابة اللبنانية، بالتحالف مع النظام السوري، على قاعدة تبادل المنافع والأدوار، في إطار تقاطع المصالح والطموحات التي تقوم عليها استراتيجية الطرفين، في المنطقة. لقد التقت الأهداف الاستراتيجية لكل من النظام الأسدي وإيران في إيجاد حليف قوي لكليهما في لبنان، يضمن للنظام السوري الاستمرار كطرف أساس في الصراع العربي- الإسرائيلي، بعد تحييده لجبهة الجولان بموجب اتفاق فصل القوات عام 1974 والذي أظهر التزاما قويا به، وخسارته للورقة الفلسطينية، إثر افتضاح دوره التآمري على المقاومة الفلسطينية، خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 من جهة، ومن جهة أخرى لتحقيق هيمنته وسيطرته الدائمة على لبنان عبر إيجاد حليف استراتجي قوي، انطلاقا من إدراكه لضعف القوى الوطنية اللبنانيةالتي عمل علىتفتيتها من الداخل، وعدم قدرته على بناء علاقات تحالف بعيدة المدى معها بسبب خضوعها لتوافقات سياسية داخلية ودولية، تجعلها تمتلك هامشا للمناورة في علاقتها معه، في حين كانت الاستراتيجية الإيرانية تقوم على مدّ نفوذها في المنطقة، عبر دخولها كلاعب أساس في الصراع العربي- الإسرائيلي، من خلال خلق قوة عسكرية منظمة ومدربة، تمتلك السلاح المتطور اعتمادا على وجود قوى شيعية، تخضع لسلطتها الدينية والسياسيةوعلى الحدودمع اسرائيل، فكانت ثمرة هذا التقاطع في الطموح والأهداف لكلا الاستراتيجيتين، هو المولود الجديد، المتمثل فيحزب الله. لقدسعى النظام الأسدي إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية في لبنان، م نخلال خلق قوةعسكرية وحزبية تتفوق على الجيش اللبناني عد ة وعددا بحيث تتمكن من الهيمنة على الساحةالسياسية اللبنانية وتتحكم بها بالتعاون مع الأطراف الحليفة للنظام الأسدي هناك.
إن تلك العلاقةالتحالفية بين النظامين الأسدي والإيراني لم تكن اتخضع لأهداف مرحلية، كما كان الحال في علاقة النظام مع القوي اللبنانية المختلفة، بل نابعا من إدراك عميق لطبيعة التحالف المصيري ،الذي يكرسه قيام هذا الحزب بين أطراف المعادلة الثلاث) إيران والنظام السوري وحزب الله( على المدى البعيد، فالنظام الذي يمثل الشريان الحيوي لإمداد حزب الله بالسلاح والخبرة والمال وعناصر الحرس الثوري الإيراني، كان يدرك مدى حاجة الطرفين الآخرين للوظيفة الحيوية ،التي يمكن أن يقوم بها بالنسبة لكل منهما، إضافة إلى ما يمكن أن يوفره وجوده في لبنان، من غطاء سياسي لسلاحه، ودوره الذي يريد أن يلعبه في إطار الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة ،ما يجعل حزب الله بعد تحوله بما يملكه من قوة عسكرية، إلى ثقل سياسي كبير على الساحة اللبنانية، قادرا على تأمين هيمنة النظام السوري على لبنان في ظل المصالح المتبادلة، متخذا لأجل تحقيق هذه الأهداف ذريعة تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة.
بالمقابل لم يكن لحزب الله أن ينجح في استراتيجية احتكاره للمقاومة، وصولا إلى احتكار امتلاك السلاح في لبنان، لولا الدعم الذي كان يقدمه له نظام الوصاية الأسدي هناك، بغية إضفاء مشروعية وطنية وسياسية على سلاحه الذي يملكه، حيث لم يكتف حزب الله ضمن هذه الاستراتيجية باحتكار العمل المقاوم ومنع القوى الوطنية الأخرى من ممارسة هذا الدور، بل قام بتنفيذ نفس السياسية التي اتبعها حتفظالأسد قبل وبعد مرحلة قفزه إلى السلطة عبر القضاء على جميع رموز الطائفة العلوية سواء بالاغتيال) محمدعمران( أو بالسجن المؤبد) صلاح جديد(لضمان ولائها المطلق له، فقام حزب الله بتحجيم القوى الشيعية الأخرى، وفي مقدمتها القوى اليسارية التي اغتال عددا من رموزها الهامة، وحركة أمل التي استطاع أن يلحقها باستراتيجيته، بعد تحجيمها في معارك إقليم التفاح ،التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسمائة مقاتل.
وفي الوقت الذي كان فيه التحالف الاستراتيجي بين النظام وإيران وحزب الله يتعمق، ويزداد رسوخا، كان النظام يعمل على إقامة نوع من التوازن في علاقاته الإقليمية، يضمن له الاستقرار ،والمحافظة على دوره الفاعل والمؤثرة في معادلات المنطقة عربيا وإقليميا، وذلك من خلال إقامة علاقات قوية ومتنامية مع الدولة التركية ذات التوجهات الإسلامية المعروفة بهدف الخروج من حالة العزلة التي كان يعيشها بعد إجباره على الخروج من لبنان، فكان تنازله عن لواء اسكندورنة ،وفتح الأسواق السورية على مصراعيها أمام لصناعات والمنتجات التركية، على حساب القطاع الصناعي والافتصاد السوري، هو الرشوة التي قدمها النظام، لإنجاح تلك السياسة، في منطقة بالغة الحساسية، من الناحية السياسية والمذهبية على مستوى صراع المصالح والإرادات بين تلك القوى الإقليمية الأساسية فيها، ذات التوجهات المختلفة، إيران وتركيا والمملكة السعودية ومصر. ومن أجل هذا الهدف، حافظ النظام على علاقاته التقليدية مع دول الخليج العربي، من خلال تقديم نفسه كعامل توازن بينها وبين إيران، وشريك لا غنى عنه في التسويات القائمة فيالمنطقة، لاسيما على صعيد الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن تلك الحسابات السياسية الخاصة
63
بالنظام، لاسيما بعد إصراره على الحل العسكري، لمواجهة الانتفاضة الشعبية، لم تستطع أن تحقق النتائج المرجوة منها، انطلاقا من تقديراته لحقيقة المخاوف الجدية، التي يشكلها انتصار الثورة على الوضع العام في المنطقة، وعلى أوضاعها الداخلية تحديدا، ما جعله مطمئنا لردود أفعالها على تلك السياسة العنفية التي انتهجها، إلا أن وحشية النظام الإجرامي، وعنفه المنقطع النظير ،والمدعوم عسكريا وماليا ولوجستيا من حليفيه الإيراني وحزب الله للقضاء على الثورة، شكل رأيا عاما داخليا ضاغطا في تلك البلدان، وتهديدا لمصالحها، بات معه من الصعب السكوت عن هذا االعنف المنفلت والأعمى، وأدى بالتالي إلى انكشاف واضح في صراع المصالح والإرادات بين تلك القوى الإقليمية في المنطقة.
العامل الإسرائيلي
لاشك أن هذا العامل يأتي في طليعة العوامل المؤثرة في الوضع السوري ما بعد الثورة، وهو ما كان يدركه النظام ويضعه في سلم أولوياته منذ وصوله إلى السلطة عام 1970، وحتى قبل ذلك عندما رفض السماح لسلاح الجو السوري الذي كان قائدا له، تقديم التغطية الجوية المطلوبة للقوات السورية، عند تدخلها إلى جانب المقاومة الفلسطينية أثناء أحداث أيلول الأسود عام 1970، إن لم نأخذ بعين الاعتبار دوره في هزيمة حزيران، وتسهيل عملية احتلال إسرائيل للجولان. إن أهمية هذا العامل ودوره الأساسي يتأتى من التزام الولايات المتحدة والغرب، وحتى روسيا الاتحادية بأمن إسرائيل وحرب التحريك عام 1973 قام بها النظامان المصري والأسدي، كان مخططا لها أن تكون نهاية الحروب مع إسرائيل، ويمكن العودة في هذا الصدد لخطاب الأسد الأب في حفل الإفطار الرمضاني، الذي أقامه لرجال الدين الإسلامي، وخطابه الشهير الذي تحدث فيه بصراحة عن أن حرب تشرين هي آخر الحروب، إضافة إلى الالتزام الدقيق والمفرط طوال أكثر من أربعين عاما بالاتفاقات المجحفة، التي وقعها النظام مع لإسرائيل بوساطة من وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر 1974، والتي تنص فيما تنص على قيام منطقة عازلة يمنع الجيش السوري من التواجد فيها، دون أن يقابله ما يماثل ذلك على جبهة الجولان المحتلة.
لقد كان حرص النظام على احترام اتفاقاته مع إسرائيل دقيقا، في الوقت الذي لم يحترم فيه الدسنور السوري الذي صاغه على مقاسه يوما من الأيام. يتذكر جميع السوريين ومنهم أنباء الجولان المحتل أن أي شخص كان يريد أن يدخل إلى مناطق الجولان المتاخمة للمنطقة المحتلة، كان يحتاج إلى تصريح أمني من قبل المخابرات السورية، وبذلك لم يكن النظام يثبت لإسرائيل مصداقيته في احترام اتفاقاته معها، بل كان يؤكد حرصه على حماية وجودها في الجولان المحتل، من أيخطر يمكن أن يحدث من خلال أراضيه. أما ما يخص دعمه لحزب الله وحركة حماس، فقدكان هذا الدور يندرج بما يمكن أن نسميه باللعب في الهامش السياسي المتاح له، لتحقيق جملةمصالح سياسية إقليمية، في مقدمتها اكتساب صفة النظام الممانع لكسب دعم وتأييد القوىاليسارية والدينية العربية، وإضفاء نوع من المشروعية على نظامه الفئوي الذي لم يدخر وسيلة لتصفية القوى السياسية اليسارية والدينية في سورية، وهنا تبرز أولى المفارقات السياسية التي كان يقوم عليها سلوك النظام ومشروعيته الكاذبة. لقد ظل النظام المناور يستخدم ورقة حزب الله والمقاومة الإسلامية الفلسطينية لتحقيق جملة أغراض سياسية، في مقدمتها الحفاظ على نفوذه ودوره السياسي باعتباره أحد اللاعبين الأساسيين في المنطقة، وبذلك كان يعمل من خلال هذا الدور على ابتزاز العالم وإسرائيل، وفي نفس الوقت يبرير نهجه السياسي والقمعي داخليا ،تحت مظلة قانون الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، التي كانت تتيح له التحكم برقاب الشعب السوري وكم أفواهه. ولتبرير سلوكه حيال قضية استعادة الجولان بعد حديثه المطول عن التوازن الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي، لجأ النظام إلى القول بأنه يمكنه أن يترك القضية للأجيال القادمة، وكأنه لم يكن المسؤول عن احتلالها ولا يتحمل أية مسؤولية وطنية تجاه أرض محتلة تشكل جزءا من جغرافية الوطن السوري، وبذلك كان يقدم هدية كبرى لإسرائيل، التي تحصل على70 بالمئة من احتياجاتها المائية من هضبة الجولان، وينعم آلاف المستوطنين بخيرات البلاد الوفيرة وأرضها الخصبة، ناهيك عن موقعها الدفاعي الحصين في أي حرب محتملة في المستقبل، نظرا لمحدودية العمق الإسرائيلي على تلك الجبهة. مقابل هذا الدور الذي يلعبه النظام فإن إسرائيل التي وصفت صحافتها الأسد الابن بأنه ملك ملوك إسرائيل، لن تجد نظاما يخدم مصالحها، وقد خبرت أساليبه وطرق المساومة معه مثل هذا
النظام، الأمر الذي يجعل مصلحتها الاستراتيجية، تقتضي الإبقاء عليه على الرغم من تحالفه مع النظام الإيراني، طالما أن سلوكه البراغماتي هو الذي يحدد بوصله أهدافه وسياساته، في حين أن تغيير النظام سوف يأتي بقوى جديدة تجهل مواقفها منها، ولا تعرف طبيعة التعامل معها، أوموقفها من معاهدة فصل الوقت التي حرص النظام طوال عقود مضت على إظهار التزامه الشديد بها. من هنا يبرز دور العامل الإسرائيلي في إطالة أمد الأزمة عبر تأثيره على صنع القرار الأمريكي خصوصا، والأوربي عموما.
روسيا والنظام السوري
يلعب الموقف الروسي من النظام السوري دورا أساسيا في بقاء هذا النظام من خلال الدعم السياسي والعسكري واللوجستي، الذي تقدمه له بسخاء. لقد حالت روسيا دون صدور أي قرار دولي يدين جرائمه، ويفرض عقوبات دولية واسعة عليه حتى الآن. لقد كان هذا الموقف مفاجئا ومستغربا من قبل الكتيرين الذين راهنوا على تبدل ما، في هذا الموقف، كما حدث في ليبيا، لكن مثل هذا التبدل لم يحدث، ما جعل من الروس والإيرانيين الطرفين الداعمين بشكل أساسي للنظام، في معركته مع الشعب السوري.
إن قراءة هذا الموقف لا يمكن أن تصل إلى عاياتها ،خارج إطار المتغيرات التي أحدثتها ثورات الربيع العربي، التي خسر فيها الروس مصالحهمالاقتصادية والسياسية في المنطقة، إذ لم يبق لهم سوى المحور السوري الأسدي والإيراني، وهم
65
يدركون أن سقوط نظام الأسد هو بمثابة مقدمة لسقوط النظام الإيراني، لأنه سوف يعزز ثقة المعارضة الإيرانية الداخلية بقدرتها على إسقاط النظام هناك، ويحرم هذا النظام من مكاسبه السياسية التي استطاع أن يحققها من خلال تحالفه مع نظام الإجرام السدي، ويغطي بها على أزماته الاقتصادية وممارساته القمعية، وبالتالي تكون روسيا قد خسرت كل مواقع نفوذها ومصالحها، في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية من العالم، والتي تقع قريبا من حدودها أيضا، ويفترض أن تكون مجال نفوذها الطبيعي .
لاشك أن ضعف الموقف الدولي، وفي المقدمة منه الموقف الأمريكي يعد من الأسباب، التي ساعدت روسيا على مواصلة هذا الموقف المنحاز ،حتى تحولت روسيا إلى محامي الشيطان للنظام المجرم في المحافل الدولية، إضافة إلى تعزيز موقفها السياسي في مواجهة أمريكا والغرب، بهدف استعادة دورها كلاعب دولي، يجب أخذ مصالحه بعين الاعتبار. لذلك من غير المتوقع أن يحدث تبدل ذو قيمة في الموقف الروسي من المسألة السورية، حتى ولو قرر الغرب أن يتدخل بصورة منفردة في سوريا، وهو ما يمكن استبعاده حتى الآن على الأقل، فهي تريد الإبقاء على نظام الأسد بأي شكل من الأشكال، لأنه سيبقى بحاجة إلى دعمها وحمايتها له، وبالتالي سيكون الضمانة الحقيقية لمصالحها على المدى البعيد. يدرك الروس أن التغيير في سوريا لن يكون لمصلحتهم، لأن الشعب السوري سيكون صاحب قراره، وبذلك لن تبقى تلك المصالح وسيلة النظام لشراء المواقف الدولية الداعمة له ،على حساب مصالح الشعب السوري كما كان يفعل دائما.
من جهة ثانية يعبر الموقف الأمريكي والغربي عموما، عن حالة التخبط والارتباك الواضح حيال الوضع الماسأوي السوري، كما تعكسه مواقفه السياسية التي تتناقض، بسبب محاولة التهرب من المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية، مما ساهم في إطالة أمد الأزمة من جهة، ووفر للنظام الظروف والوقت المناسبين للإيغال في جرائمه، واستخدام كل أنواع القوة المدمرة والمحرمة دوليا، في محاولته اليائسة والمجنونة للقضاء على الثورة.
العامل الداخلي:
واقع المعارضة السورية والحسابات الدولية
تحتاج دراسة هذا العامل إلى بحث مستقل وموسع، يتناول جوانبه المختلفة تاريخيا وسياسيا وتنظيميا، للوصول إلى فهم حالة التشتت والتناقض والصراع، التي تحكم سلوك تلك المعارضة وعلاقاتها ببعضها البعض، والتي ما زالت تحول دون توحدها واجتماعها، على تفاهمات مشتركة ،تجعلها تشكل قوة فاعلة ومؤثرة في المعادلة السورية الداخلية، وفي التاثير على الموقفالدولي، إن لم تكن الحامل الأساس للثورة السورية. لقد أفرزت الثورة السورية واقعا جديدا، منخلال طبيعة الحراك الشعبي والشبابي الذي يقودها، في حين كان دور القوى السياسية التقليديةمنفعلا وتابعا، أكثر منه فاعلا ومحركا للثورة، ما خلق فجوة بين قوى الحراك الثوري، وتلك
المعارضات، التي كانت تعاني من الترهل السياسي والجمود والصراعات الإيديولوجية والفكرية ،على المستوى الداخلي، وفيما بينها، إضافة إلى قدرة النظام على اختراق بعضها، وخلط الأوراق عبر تشكيل معارضات وهمية، بهدف التضليل وخلق معارضات وهمية تتبنى مواقف مؤيدة لمشاريع النظام. لم تستطع المعارضات السورية من خلال تباين توجهاتها السياسية تحقيق التوافق المطلوب حتى على مستوى الموقف من النظام، ما جعل مواقف العديد منها يتعارض مع مطالب الشارع السوري، حتى توقيع وثيقة القاهرة قبل شهور قليلة، والتي أجمعت فيها على مطلب إسقاط النظام، وعدم التفاوض معه قبل رحيله عن السلطة. لاشك أن إيغال النظام في عنفه الممنهج وجرائمه الوحشية، وخداع تلك القوى المعارضة بادعائه الكاذب في الإصلاح، هو ما جعل تلك القوى تدرك استحالة تبرير مواقفه السابقة، كما هو الحال بالنسبة لهيئة التنسيق على سبيل المثال، في حين أن المجلس الوطني ظل خاضعا لشروط تشكيله، التي جاءات من خلال توافقات دولية وإقليمية، الأمر الذي جعل مواقفه تخضع لاعتبارات دولية وإقليمية، حرمته من حرية القرار والحركة، والتركيز على وضع القوى الثورية في لداخل، يضاف إلى ذلك الدور الذي لعبته الحسابات السياسية الخاصة لبعض القوى المعارضة، والطموحات الشخصية لبعض الأعضاء داخل المجلس، ما حال دون استقطابه لجميع قوى المعارضة، وتفعيل دوره بوصفه الحامل السياسي للثورة، والمسؤول عن تأمين احتياجاتها ماديا وطبيا وتسليحيا وإغاثيا، بعد استفحال أزمة المهجرين السوريين في الداخل والخارج، بفعل وحشية آلية القتل والتدمير الهمجي للنظام، إضافة إلى عجزه عن مواكبة التحولات المتسارعة في مسيرة الثورة، لاسيما بعد التحولات الداخلية، التي أحدثها ظهور الجيش الحر والمقاومة الشعبية المسلحة. وبقدر ما راهن المجلس على دعم الخارج ومحاولة كسب تأييده السياسي والعسكري، فإن ذلك ساهم في إضاعة جهوده ووقته في العمل على الصعيد الخارجي، لأنه لم يستطع قراءة تلك المواقف بدقة، وعجز بالتالي عن مواكبة متطلبات الثورة، إلى جانب زيادة تدخل تلك القوى في مواقفه وقراراته. المرحلة الجديدة التي بدأت مع ظهور الائتلاف الوطني، كمظلة لعدد واسع من أطياف المعارضة السورية، يمكن القول أننا أمام بداية تحول في وضع المعارضة والثورة السورية، خاصة بعد توالي الاعترافات الدولية به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري.
لقد جاء هذا التحول ثمرة لجهود دولية وإقليمية، وعمل دؤوب ومجتهد من قبل مجموعة من الشخصيات الوطنية المعارضة للنظام، بعد أن اقتنع الكثير من أطياف المعارضة، بأنه لا بد من البحث عن صيغة توافقية، وإطار تنظيمي وسياسي جامع وجديد، يستطيع جمع أكبر عدد ممكن من قوى المعارضة، يمكن للعالم أن يتحاور معه، ويثق بقدرته على إدارة الصراع مع النظام، وقيادة المرحلة الانتقالية بواسطة قيادة إسلامية معتدلة، وغير منظمة، بهدف الحؤول دون جنوح العمل المعارض، وفي مقدمته العمل المعارض المسلح نحو التطرف، والوقوع في أحضان المجموعات المسلحة السلفية الجهادية. إن هذا التحول بقدر ما يعكس رغبة دولية وإقليمية في البحث عن مخرج للوضع السوري المأساوي ،
67
فإنه يتطلب من قوى المعارضة الحذر واليقظة تجاه أية محاولات دولية، لفرض حل يقوم على نوع من التوافق بين مطالب المعارضة، وشروط النظام المدعومة من قبل روسبا وإيران، لأن ذلك سيبقي على جزء خطير من مرتكزات النظام، التي أذاقت الشعب المنتفض الويلات سابقا ولاحقا، وهو ما لن يقبل به الشعب، الذي يواصل ملحمة تصديه البطولي لجرائم الإبادة الأسدية بوتيرة عالية وقوية. لقد أدى تخلي العالم عن مسؤوليات الأخلاقية والإنسانية تجاه مأساة الشعب السوري إلى زيادة ظاهرة التطرف، ودخول قوى جهادية على خط المواجهة، وهو ما كان يسعى إليه النظام لتأكيد مزاعمه حول حقيقة الانتفاضة الشعبية ضد نظامه الإجرامي، الأمر الذي زاد من تعقيد المسألة السورية ومخاطرها المستقبلية على المستوى الداخلي بعد سقوط النظام، ما لم تتم عملية ضبط السلاح وتوحيد القوى العسكرية، في إطار تنظيمي جامع، يؤدي إلى وضع استراتيجية مواجهة مدروسة من جهة، ويسهم في السيطرة على وضع تلك القوى ووظيفة سلاحها من جهة أخرى.
إن الثورة السورية التي تتعزز انتصاراتها على أرض الواقع ،تجري محاوت إقليمية ودولية لمنع السح المتطور عنها وتجيير بعض فصائلها لخدمة مشاريعها الخاصة، الأمر الذي يجعل الثورة واالكتائب المسلحة بمسمياتها المختلفة تواجه خطر انحراف عن أهدافها الحقيقية عبر جرها إل معارك هامشية، في الوقت الذي يجب عل تلك القو منع النام من استفراد بكل منطقة عل حدة، عبر التنسيق والمؤازرة لدعم صمود تلك الكتائب ودتعزيز انتصاراتها طالما أن الهدف هو انتصار الثورة عل هذا النام المجرم.
اإن هذا الواقع الذي تحاول فيه قوولية وإقليمية خلق حالة من اليأس والإنهاك عند الشعب السوري المنتفض بهدف القبول بالتفاوض مع النظام.
المجرم لإيجاد تسوية يقبلها النظام والمعارضة، تستدعي بلورة رؤية جامعة لسورية الغد، تتجاوز العمومية في الطرح والمواقف، وإيجاد توافق وطني واسع على تلك الأهداف الوطنية الجامعة ،بحيث يكون قادرا على قيادة المرحلة القادمة، التي ستكون الأخطر في تاريخ سوريا لأن تبعات سقوط النظام ونتائجه على الساحة السورية التي غدت مفتوحة لقوى مختلفة داخلية، وإقليمية ،ودولية سوف يؤدي إلى قيام صراع إرادات ومصالح متناقضة، لاسيما أن العمل المسلح لقوى المعارضة المختلفة لا يعرف حتى الآن خارطة توجهاته الفكرية والسياسية،وما زال منفلتا من أي رابط جامع يمكن التفاهممعه، ما سيقود إلى حالة من عدم الاستقرار يتوجب على هذا الائتلاف أن يكون متيقظا وقادرا على التعامل معها بحزم وشفافية ووعي وطني يسهم في تقصير أمد معاناة السوريين وتحقيق تطلعاتهم من أجل الحرية والكرامة والمساواة والتقدم وقبل كل هذا ضمان وحدة القوى المنضوية تحت لوائه لضمان فاعلية دورها مستقبلا في ظل وضع منفلت علىالآرض وغياب التنسيق بين تلك القوى التي هي في الأصل قوى غير عسكرية