حسام شحادة
يحيي الشعب الفلسطينيّ في مختلف أماكن وجوده الذكرى السنوية الـ 65 للنكبة التي صادرت حقّ الشعب الفلسطينيّ بالحريةّ والاستقلال الوطنيّ.
65 عاما وما زالت النكبة بكل تجليّاتها ماثلة، وتتوالى النكبات على المنكوبين، ويتشردّ اللاجئون من جديد، وًتتكاثف الغيوم في الفضاء السياسيّ لعموم القضيّة الفلسطينيّة.
البداية كانت من عام 1917، حينما أصدرت بريطانيا وعد «بلفور» الذي ينصّ على منح أرض لليهود من أجل إنشاء وطن لهم في فلسطين، وفي عام 1922 وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطانيّ، وزادت هجرات اليهود من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين، وظهرت الحركات المقاومة الفلسطينيّة، والتي بدأ الجيش الإسرائيليّ في التصدي لها. وفي عام 1947 رفُعت القضيّة الفلسطينيّة إلى الأمم المتحّدة ،وحكمت فيها يوم 29 نوفمبر بتقسيم فلسطين إلى دولتين «دولة فلسطينيّة، وأخرى إسرائيلية». وهو القرار الذي لقي رفضاً شديدا من جانب العرب، وقبولاً وترحاباً من جانب اليهود، خصوصا بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين في مايوً عام 1948، وهجرة أكثر من 750،000 فلسطينيّ من دولتهمً. حيث يتذكّّر الفلسطينيّون في يوم 15 مايو من كّلّ عام أعمال التهجير والمآسي التي تعرضّوا لها من قِبل الإسرائيليّين من أجل التمهيد لإقامة دولتهم في الدولة الفلسطينيّة.
وما أشبه النكبة الفلسطينيّة الكبرى في عام 1948، بواقع حال مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في سوريا اليوم، حيث الحصار المفروض على مخيّماتهم وتعرضّها للقصف والتدمير والحصار والتجويع، اضطرّهم للنزوح عنها، بتغريبة جديدة أكثر ألما وقساوة من تغريبة الآباء والأجداد عام 1948، حين اضطرّوا إلى ترك ديارهم واللجوء إلى دول الجوار لتًبدأ حينها، مع رحلة غالبيّة الفلسطينيّين نحو الشتات، واحدة من أكبر المآسي والجرائم الإنسانيّة في العصر الحديث.
الفلسطينيّون ومن لحظة نكبتهم، كانوا على الدوام دافعي ضريبة لجوئهم إلى أيّ دولة عربيّة، التجؤوا إليها، فأيّ تغيير سياسيّ كان يعصف بهذا البلد أو ذاك، هم في مقدّمة الفئات التي تسدّد فاتورته. هذا ما حصل في الأردن ومن ثمّ في لبنان وليبيا ومؤخّراً في العراق، وهذا ما يخُشى منه اليوم في ظّلّ الصراع الدمويّ في سوريا.
المأساة السوريةّ تشكّل اليوم عنوانا بارزا لمعاناة اللاجئ الفلسطينيّ، خاصّة مع بعُده عن وطنه؛ حيث أصبحت معاناة اللاجئين الفلسطينيّيًن منً سوريا، قسرياّ، إلى الأردن ولبنان ومصر وتركيا نتيجة الأوضاع في سوريا مضاعفة بعد اشتداد القتال في أماكن لجوئهمً مثل مخيّم اليرموك.
فلسطينيّو سوريا عاشوا، فصولاً صعبة في ظّلّ الأزمة السوريةّ الطاحنة، في وقت لم تقم فيه الجهات الفلسطينيّة الرسميةّ بما هو مطلوب منها لمساعدتهم ومدّ يد العون لهم من كافةّ الجوانب، خصوصاً منها الجانب المتعلقّ بالاتصال مع كّلّ الأطراف المعنيّة من أجل تحييد مناطق انتشارهم )مخيمّات + تجمّعات(. فمخيّم اليرموك كغيره من المخيّمات مطوَّق ومحاصَر، يجازف سكّانه بالدخول والخروح منه في أوقات زمنيّة محدّدة للضرورات الإنسانيّة، ويغُلق أحيانا بالكامل لعدّة أياّم، فيما تتساقط عليه قذائف الهاونات والصواريخ من حين لآخر، وتدور بين شوارعه الًرئيسيّة اشتباكات متواصلة يدفع ثمنها المواطن الفلسطينيّ الذي بقي داخل المخيّم. وهذا يحيل الحياة فيه إلى جحيم.
وبتنامي احتمالات انتقال تداعيات الأزمة السوريةّ إلى دول الجوار، يخُشى من توريط اللاجئين الفلسطينيّين في الأزمة إذا ما انتقلت إلى لبنان، وهذا سينطوي على مخاطر حقيقيّة عليهم. وفي الأردن يكابد اللاجئون الفلسطينيّون تبعات مزمنة لاتهامات بالتوطين والوطن البديل، وصراع هوياّت مفتعَل يسُتغّل لخلق تناقضات تغطيّ على صراع المكونات السياسيّة.
لقد عانت المخيّمات الفلسطينيّة كثيرا، وكشفت تقارير وتصريحات لمسؤولين في الأونروا عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينًيّون في سوريا، وذلك في اجتماع اللجنة الاستشاريةّ للوكالة في منطقة البحر الميّت في غور الأردن، بحضور مدير عمليّاتها فيلبوا غراندي ومديري مناطق العمليّات الخمس وممثلّين عن الدول المانحة.
فقد أشارت هذه التقارير، إلى أنّ نحو 300 ألف لاجئ فلسطينيّ، من أصل 500 ألف يعيشون في 31 مخيما في سوريا، باتوا بحاجة ماسّة ومستمرةّ للغذاء والدواء والكساء. وُشُردّ 120 ألفاً من هؤلاء إلى خارج سًوريا للإقامة في مخيّمات مؤقتّة على حدود لبنان وتركيا والأردن.
وإضافة لمأساة اللاجئين الفلسطينيّين في سوريا، تحدّثت التقارير عن مأساة أخرى تعرّضت لها 056 عائلة فلسطينية لجأت من العراق إلى مخيّمي النيرب وعين التّلّ في حلب، وباتت تعاني وضعاً صعباً نتيجة الأوضاع المتفاقمة في سوريا.
بعد لبنان والأردن وحرب الخليج الثانية وليبيا والعراق، وعلى سمع وبصر العالم، يشُرّد اليوم حوالي نصف مليون لاجئ فلسطينيّ من سوريا. لذا على جامعة الدول العربيّة، إن كانت بالفعل تريد حماية القضيّة الفلسطينيّة، أن تتحرّك وعلى عجل لاتخاذ موقف يرتقي إلى حجم النكبة الثانية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيّون اليوم في سوريا، كي لا تتكرّر الذكرى الأليمة، التي لا تزال شاخصة أمامنا منذ عشرينيّات القرن الماضي. وعلى من تبقّى من العالم الحرّ، الذي لا يزال يتضامن مع شعبنا الفلسطينيّ، أن يفعِّل ماكينته الإعلاميّة للضغط وتحريك أصحاب القرار من البرلمانيّين والأكاديميّين والإعلاميّين والنشطاء والسياسيّين… لوقف آلة القتل التي لا تتوقفّ بحقّ اللاجئين الفلسطينيّين.
هي جخ نقعباي س ل خلي ل
كبيرة هي المخاطر المحدقة بقضيّة اللاجئين الفلسطينيّين في سوريا، وقادم الأياّم للأسف ينذر بالأسوأ، وكأنّ الفلسطينيّ لا يكفيه ما لاقاه من الاحتلال الغاصب من تهويد وقتل وتشريد وتنكيل!..
لماذا استهداف المخيّمات بالصواريخ والقتل والحصار؟ ماذا يعني أن يحُاصر مخيّم اليرموك وغيره من المخيّمات ويمُنع عنها دخول الأطقم الطبيّة والغذاء والطحين والمحروقات..؟ وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، ماذا يعني أن يقفِل الأردن حدوده أمام المزيد من اللاجئين الفلسطينييّن كي لا يكون مضطراًّ لدفع أثمان سياسيّة نتيجة الأزمة في سوريا؟ وماذا يعني أن تفرض الحكومة الليبيّة على الفلسطينيّين حمَلة الوثائق السوريةّ الحصول على تأشيرة لدخول أراضيها؟ ماذا يعني توقفّ السفارة المصريةّ في بيروت عن إصدار تأشيرات الدخول للشباب الفلسطينيّين السورييّن من عمر 18 ولغاية 40 سنة ،والفلسطينيّ وحده لا يسُتقبل في مصر إلاّ عبر قدومه من مطار دمشق؟ ماذا يعني أن يطلب بعض الساسة اللبنانيّين إقفال الحدود السوريةّ اللبنانيّة أمام اللاجئين الفلسطينيّين؟ ماذا يعني أن يتخلىّ المجتمع الدوليّ عن شعارات المساواة في الحقوق ليميِّز في خدماته واهتماماته ومتابعاته بين اللاجئ الفلسطينيّ واللاجئ السوريّ.
إنّ استمرار الصراع في سوريا، وتعرّضها لمزيد من التدمير والقتل، ومخاطر التفتيت الطائفيّ والعرقيّ، سيؤدّي إلى مزيد من المعاناة للاجئين الفلسطينيّين، بما في ذلك مخاطر التهجير وإزالة المخيّمات ،وسحب بعض الحقوق القانونيّة.
المخيّم كان المحطةّ الأولى للمأساة ما بعد النكبة الوطنيّة الكبرى وذاكرتها المتجدّدة، وكان المحطةّ الأولى والحاضنة المستمرةّ للمشروع الوطنيّ التحرّري الفلسطينيّ، ولهذا فإن تفكيك بنيته المجتمعيّة هو استهداف لقضيّة الشعب الفلسطينيّ وهويتّه الوطنيّة، وشطب القضيّة الفلسطينيّة وعنوانها اليوم اللاجئون وحقّ العودة.
إنّ الواقع الأليم والمحزن لفلسطينيّي سوريا، في ظّلّ المحنة الحاليّة التي يعيشون فصولها على الأرض ،تدفعهم للصراخ بوجه كّلّ القوى والفصائل والأطر الرسميّة الفلسطينيّة التي لم تعطِ أوضاعهم الاهتمام الكافي والمطلوب. فالقيادات الفلسطينيّة بمختلف أطيافها لم تضطلع كما ينبغي بدورها لإنقاذ المخيّمات وأبنائها، وساهم تقصيرها في تعزيز الموقف السلبيّ من منظمة التحرير بكونها ممثلّاً شرعيّاً ووحيدا للشعب الفلسطينيّ، جراّء تراجع دورها في مخيّمات الشتات بانتقال كّلّ مؤسساتها إلى الداخل وإهمالً أوضاع اللاجئين، وترتبّ عليه ظهور اتجاهات في أوساط اللاجئين تتحدّث عن ضرورة خلق أطر تمثيليّة لملء فراغ انسحاب مؤسّسات منظمّة التحرير وتحجيم دورها لحساب مؤسّسات السلطة ،وللحفاظ على حقّ العودة الذي أصبح مادة للمساومة والمقايضة في مفاوضات الحقبة الأوسلويةّ.
اللاجئ الفلسطينيّ السوريّ في الذكرى الـ 65 للنكبة، وفي سياق نكباته المتواصلة، يستحضر معاني الغدر والخذلان التي تسكن ذاكرته في منفاه ومخيمّه، وخاصّة من سياسيّين يفُترض أنهّم الحاضنة والمظلةّ، بينما هم اليوم وعلى العكس من ذلك، يتنكّرون لمعاني تدمير المخيّم ومدلولاته السياسيّة والأخلاقيّة، وكّلّ ذلك بدعوى الواقعيّة، كما تطالعنا المنظمّة والفصائل. إنهّ الاستثمار الرخيص لمعاناة وطموحات وحقوق اللاجئ، سندوّنه في سجّلّ النكبة الفلسطينيّة فصلاً جديدا لن يغيب عن ذاكرة الشعب الفلسطينيّ. نقول هذا الكلام من موقع معرفتنا بعقليّة البعض الفلسطًينيّ في مواقع القرار وميكانيزم تفكيره السياسيّ. والإقدام على مشروع صفقة تكون على حساب اللاجئين وحقّ العودة ،ولا سيّما في هذه الظروف المعقّدة والسيئة لن يكون مفاجِئا كما كانت أوسلو، فمصالح كّلّ الفاعلين الدوليّين تتقاطع في ضرورة اقتناص الفرصة والانقضاض علىً الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة بدوافع مختلفة وربمّا متباينة.
لقد لعبت بعض القوى الإقليميّة دورا مدمِّرا للقضيّة الفلسطينيّة، من خلال مشاريع تذويب وشطب الهويةّ والشخصيّة الوطنية الفلسطينيّةً المستًقلةّ. واليوم تلعب قوى إقليميّة دورا جديداً في السياق ذاته، بتدمير مجتمع اللجوء الفلسطينيّ والقضاء على هويتّه باستهداف رمزيةّ المخيّمً، الذي نهضت على أكتاف أبنائه دعائم المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ التحرّريّ، وانتزع العديد من المكاسب الاستراتيجيّة ،حيث أعيدَ تعريف القضيّة الفلسطينيّة بما هي قضيّة تحرّر وطنيّ، وأقرّ حقّ الشعب الفلسطينيّ في مقاومة الاحتلال أسوة بكّلّ الشعوب الأخرى، التي قاومت الاستعمار والاحتلال ونالت استقلالها. وخلق ذلك بالتراكم معادلة جديدة في الفهم الرسميّ العربيّ للصراع مع إسرائيل، تقوم على إقرار الرسميّات العربيّة بخصوصيّة الدور الذي يجب أن ينهض به الفلسطينيوّن في مقاومة الاحتلال، وحقّهم في تقرير مصيرهم، والإمساك بناصية قضيّتهم، دون وصاية أو استلاب، تتخّذ هذه الأيام أشكالاً أكثر مكراً وأشدّ قسوة ■