علاء عبّود
في سوريا يتوزّع اللاجئون الفلسطينيوّن في 13 مخيما، عرف معظمها فعاليّات تأييد أو مشاركة في الثورة ضدّ نظام الأسد، وقدّموا عددا كبيرا نسبيًّا من الشهداء. هؤلاء الفلسطينيّون القاطنون داخل مخيّمات لجوئهم منذ عقود معروفون، وتًضحياًتهم باًتت معروفة لمن يرغب المعرفة ،ولكن هناك أيضا تجمّعات تضم أعداداً لا يستهان بها من الفلسطينيّين موجودة خارج المخيّمات، مثل تلك التي في أحيًاء التضامن والقابون وركن الدين وكفرسوسة في دمشق، ومدن الحجر الأسود ويلدا ودوما والمعضّميّة وجديدة عرطوز في ريف دمشق، إضافة للمدن الرئيسيّة الأخرى في سوريا. ولهؤلاء الفلسطينيوّن أيضا قصّتهم مع الثورة، قصّتهم المرتبطة بالمعاناة السوريةّ الطويلة، والمنفصلة والمتصّلة بآن واحد مع قصًّة المخيّمات في الثورة. ولعّلّ أهمّ ما يميّز هذه التجمّعات، ويفرقّ في التقارب التوصيفيّ بينها وبين المخيّمات، هو وجودها ضمن محيط سوريّ بالكامل، تتأثرّ به ويؤثرّ بها أكثر ممّا هو حال المخيّمات الفلسطينيّة. حتىّ إنّ الحالة الفصائليّة فيها نادرة نسبيّاً، وحالات المصاهرة المتبادلة مرتفعة عمّا هي عليه في المخيّمات.
مع بدء انطلاقة الثورة وتسارع وتيرتها، وانتقالها الأفقيّ عبر المناطق السوريةّ، تأثرّت تجمّعات الفلسطينيّين خارج المخيّمات بها بشكل كبير، ووجد هؤلاء الفلسطينيّون أنفسهم في دائرة الحدث ،غير بعيدين عنها بالمطلق. فكان أوّل من ثار منهم فلسطينيّو دوما، كونها من أوائل حاضنات الثورة في سوريا، وفي دوما تجمّع كبير للفلسطينيّين يقدَّر بنحو ربع سكّانها، قدّم الكثيرون منهم أرواحهم فداء للحريةّ، المطلب الأوحد للشعب السوريّ ومعه الفلسطينيّ السوريّ. وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيّين في دوما وحدها حوالي) 85( شهيدا، منهم مسعفون )محمّد الخضراء –متطوّع في الهلال الأحمر السوريّ من سكّان دوما، واستشهد فيًها بتاريخ 2012-4-22(، ومنهم أفراد في الجيش الحرّ، ومنهم أطفال مثل ياسين النابلسيّ، ومنهم عائلات كاملة استشهدت بالإعدامات الميدانيّة أثناء دخول الجيش في شهر حزيران 2012 )عائلات أبو الرُب وعبد الوهاب وخليفة.(
وكذلك حال الحجر الأسود، المنطقة الملاصقة لمخيّم اليرموك جنوب دمشق، والتي يشكّل سكّانها خليطا من الفلسطينيّين اللاجئين والسورييّن النازحين من أبناء الجولان المحتّلّ، إضافة لمكوّنات أخرى .
وهي أًيضا كانت من أوائل المناطق الثائرة في دمشق وريفها، ودخل الفلسطينيّون فيها أتون الثورة بعد أن حاول البعض إثارة فتنة بينهم وبين إخوتهم السورييّن باءت بالفشل. والحجر الأسود قدّم فيه الفلسطينيّون أكثر من) 60( شهيداً، منهم) 15( أعُدموا ميدانيّاً عند دخول قوّات النظام للمنطقة في شهر أيلول 2102.
وحيّ التضامن الملاصق، هو الآخر، لمخيّم اليرموك لم يكن الحال فيه مختلفا، فقد هبّ الفلسطينيّون فيه إلى جانب إخوتهم السورييّن من أبناء الحيّ في ثورتهم ضدّ الظلم، وقدّمًوا أكثر من) 40( شهيدا، رغم تعقيدات الحيّ ووجود أكبر تجمّع لشبّيحة النظام في المنطقة الجنوبيّة من دمشق داخله )شارعً نسرين.(
وفي حيّ القابون الواقع على أطراف العاصمة الشماليّة، يتواجد أيضا عدد من العائلات الفلسطينيّة .ولكون هذا الحي محاطا أمنيّا بشكل كبير، فقد كان نصيب أهله الاعتقالً إلى جانب الموت. ومع المصير العامّ للحيّ كان للفلسطيًنيّينً نصيبهم الخاص منه، فاستشهد منهم أكثر من) 20( شهيداً إضافة لعشرات المعتقلين.
ولا يختلف الحال كثيرا في مناطق دمشق وريفها وحلب وحمص وحماه ودرعا عمّا سبق ذكره. فمثلاً ،استشهد في معضّميّة اًلشام حوالي) 15( شهيداً فلسطينيّاً، وفي دير العصافير في الغوطة الشرقيّة لدمشق) 11( شهيدا، وفي درعا المدينة حوالي) 16( شهيدا.
كّلّ ما سبق ذكره منً أرقام ومناطق، يدلّ على تداخل العنصًر الفلسطينيّ في النسيج السوريّ لدرجة تقترب من الاندماج العضويّ، مع حيّز من الخصوصيّة الفكريةّ والتاريخيّة، خاصّة فيما يتعلقّ بالانتماء الوطنيّ؛ فالفلسطينيّون السوريوّن اليوم باتوا يعتبرون أنّ سوريا هي وطنهم الثاني، ولكن رغم هذا لا يمكن لتفكيرهم أن يبتعد لحظة واحدة عن وطنهم الأمّ الذي يضحّون لأجله منذ عشرات السنين، ألا وهو فلسطين، التي رأى الفلسطينيوّن أنهّم سيقتربون منها أكثر مع تحرّر الشعب السوريّ من قيود الظلم والاستبداد والخداع التي أحاطت به لعقود وعقود ■