دمشق-العدد4-5-هاني شادي
من المؤكد أن عدم «ترحيب» روسيا بـ «الربيع العربي» له أسباب وأبعاد عدة منها ما يتعلق بالجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط ومحاولة التنافس على مناطق النفوذ مع الولايات المتحدة والغرب، ومنها ما يتعلق بالداخل الروسي وطبيعة النظام السياسي في روسيا. ويتشابك الخارج والداخل في الموقف الروسي من الثورات العربية في معادلة روسية براغماتية تختلط فيها بقوة المصالح والمخاوف من انتقال «العدوى»، وفقدان ما تبقى لروسيا من مواقع موروثة من العهد السوفياتي في المنطقة .
الفرصة التاريخية ونظرة روسيا للثورات العربية، تنطلق روسيا في نظرتها «المتحفظة» للثورات العربية من محاولتها التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية والناتو على مناطق النفوذ في العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط، وهو المبدأ الموروث من العهد السوفياتي، وإن تلاشى عنه القناع الأيديولوجي ليبقى الصراع أو التنافس على المصالح واضحاً وصريحاً. ولذلك نجد موسكو تعتبر «الربيع العربي» صناعة أمريكية غربية تهدف إلى إعادة تغيير خريطة العالم والشرق الأوسط وبناء نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها .وتربط موسكو موقفها أيضا بأهمية الحفاظ على الاستقرار في الدول العربية، وهو ما يعني في التفكير الروسي الرسمي ضرورة الحًفاظ على الأنظمة القائمة بغض النظر عن استبدادها وفسادها، طالما أن هذه الأنظمة تحقق لروسيا بعض المكاسب. ولكن هذا لا يمنع القيادة الروسية من التعامل ببرغماتية شديدة مع نتائج الثورات العربية في محاولة للحفاظ على مصالحها.
وإذا كانت موسكو لم تعلق عمليا على الثورة التونسية إلا بعد هروب زين العابدين بن علي إلى السعودية، حيث أصدرت الخارجية اًلروسية بيانا دعت فيه إلى الاستقرار في تونس وحذرت رعاياها من السفر إلى السياحة في هذا البلد العربي، فإنها اًنخرطت بدرجة أكبر في أحداث ثورة 25 يناير في مصر عبر بيانات الخارجية وتصريحات المسؤولين الكبار الروس وإرسال ألكسندر سلطانوف مبعوث الرئيس الروسي آنذاك للقاء مبارك قبل يومين من خلعه، داعية للحفاظ على الاستقرار وعدم التدخل في الشؤون المصرية الداخلية. فموسكو كانت تعول على نظام مبارك في تطوير العلاقات بين البلدين سياسياً واقتصادياً، حيث شهدت هذه العلاقات في السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً تمثل في زيادة واضحة في حجم التبادل التجاري السلعي وتزايد أعداد السائحين الروس الوافدين إلى مصر، الذين وصل عددهم إلى 1.8 مليون سائح في عام 2010. كما كانت موسكو تأمل في فتح أبواب السوق المصرية أمام رأس المال الروسي عن طريق إنشاء منطقة صناعية روسية خاصة في مصر وتطوير التعاون في مجال الطاقة ،وعقد صفقات لبيع السلاح الروسي وقطع الغيار للأسلحة السوفياتية الموجودة لدى الجيش المصري.
ومنح الرئيس المخلوع حسني مبارك هذه الفرصة لموسكو عندما بدأ في تحسين العلاقات معها في التسعينيات من القرن الماضي، ولكن ليس على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب.
ولا يخفى أن مصر التي خرجت من دائرة نفوذ موسكو في السبعينيات من القرن العشرين على يد الرئيس أنور السادات وتحولت إلى دائرة النفوذ الأمريكي، كانت تمثل أحد المنافذ لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية بعد سنوات من الغياب في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث أصبحت السياسة الخارجية الروسية أكثر برغماتية وتحررا من القيود الأيديولوجية.
ولذلك كانت موسكو الرسمية أميل، وحتى اللحظة الأخيرة، إلى دعم الرئيس المًخلوع حسنى مبارك من خلال الدعوة إلى الحفاظ على الاستقرار ورفض الضغوط الخارجية على مبارك وتجنب العنف وضرورة الحوار بين طرفي الأزمة.
لقد كانت موسكو الرسمية تعتقد أن ما يجري في مصر ليس ثورة، وإنما مجرد أزمة يمكن التغلب عليها عن طريق الحوار والتفاوض بين الأطراف المشاركة فيها من أجل الحفاظ على «الاستقرار»، أي الحفاظ على مبارك ونظامه بعد إدخال بعض الإصلاحات التجميلية.
وفي سياق محاولات التأكيد على اليد «الأمريكية – الغربية» في الثورة المصرية، حذر الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في العام 2011 من خطورة المساس بوحدة الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة ،مثل مصر، واحتمالات تفكك هذه الدول إلى أجزاء صغيرة ووصول المتطرفين إلى السلطة، قائلاً «إن مثل هذا السيناريو كان معدا لروسيا من قبل، وسيحاولون تنفيذه».
ويقصد ميدفيديف هنا الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. كمًا حذر فلاديمير بوتين من تأثير احتمال وصول الإسلاميين المتطرفين إلى السلطة على الوضع في شمال القوقاز الروسي. ولكن بعد تخلي مبارك عن الحكم، سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لزيارة القاهرة في مارس / آذار 2011 لمد الجسور مع المجلس العسكري. كما أنه التقى أثناء هذه الزيارة بعض ممثلي شباب الثورة حسب مصادر روسية. في نفس الوقت حرص السفير الروسي في مصر على الاجتماع بممثلي حزب «الحرية والعدالة» المنبثق عن جماعة «الإخوان المسلمين»، بالرغم من أن هذه الجماعة لا تزال على القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية.
وفي ما يتعلق بالثورة اليمنية رحبت موسكو بالمبادرة الخليجية على أساس أنها تضمن الاستقرار في اليمن عبر استبدال الرئيس علي عبد الله صالح بنائبه مع الحفاظ على استمرار النظام، الذي لديه علاقات اقتصادية وعسكرية مع موسكو. وأثناء الثورة الليبية تقلب الموقف الروسي من القذافي والمجلس الانتقالي الليبي عدة مرات. في البداية كانت روسيا ترفض التغيير في ليبيا وبعد ذلك انضمتإلى صفوف المطالبين بخلع القذافي، ومن ثم امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدوليرقم 1973 لحماية المدنيين وفرض حظر جوي على ليبيا، مما سمح لحلف شمال الأطلسي بتوجيهضربات جوية لكتائب القذافي. وهنا دب الخلاف داخل النخبة الحاكمة الروسية، حيث وصف فلاديمير بوتين العمليات العسكرية للناتو بـ «الحروب الصليبية»، في وقت بدا فيه دميتري ميدفيديف أكثر قرباً من الموقف الغربي تجاه القذافي. وفي سبتمبر / أيلول 2011 عندما بات واضحا أن مصير القذافي قد حُسم، سارعت موسكو إلى مد جسور الحوار مع المجلس الانتقالي الليبي ودعًته لزيارة موسكو ،مشترطة ضرورة الحفاظ على عقود شركاتها العاملة في مجال الطاقة والبنية الأساسية، التي وُقعت مع العقيد القذافي.
ولعل الموقف الأكثر تشددا لروسيا تجاه «الربيع العربي»، هو موقفها من الثورة السورية. فمنذ اللحظة الأولى رفضت موسكو أي إدًانة لممارسات بشار الأسد وتبنت الرواية الرسمية للنظام، التي تنفي وجود الثورة وتسوق ما يجري على أنه مواجهة مع مجموعات مسلحة متطرفة. ولم تسفر زيارات المعارضة السورية للعاصمة الروسية عن حلحلة الموقف الروسي، بل أفهم المسؤولون الروس المعارضة السورية أن عليهم التفاوض مع بشار الأسد ووقف العنف من طرف المسلحين. ولكن هذا لم يمنع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي وصف المعارضة السورية بالمتشددة، من التلميح في شهر يوليو 1102 أثناء مقابلة مع قناة «روسيا – 24» التلفزيونية إلى إمكانية السيناريو اليمني في سورية قائلا: «نحن نريد أن يكون الموقف تجاه سورية كما هو الموقف تجاه اليمن .. فعلى الرغم من أن اليمن شهد اشتباكات مسلحة خطيرة، فلا أحد يحاول إثارة الوضع هناك أو ينحاز لأي طرف من طرفي النزاع أو يرفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي ..
وهذا ما نريده لسورية، ونحن نرى أن شركاءنا الغربيين يجب أن يتخذوا الموقف ذاته». وإمعانا في المراوغة السياسية حذر الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في أغسطس 2011 نظيره السوري منً «مصير محزن»، إذا لم يبدأ حوارا مع المعارضة ويباشر بالإصلاحات في سورية.
ولكن عندما نقُل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدوليً استخدمت روسيا الفيتو ورفضت أي إدانة لنظام الأسد وأصرت على تحميل مسئولية العنف لطرفي النزاع، كما رفضت أي عقوبات أممية على النظام السوري متوافقة في ذلك مع الصين. ثم دعمت موسكو جهود كوفي عنان، ومن بعده الإبراهيمي، وصولاً إلى وثيقة «جنيف»، التي أصرت القيادة الروسية على خلوها من أي إشارة مباشرة لتنحي الأسد.
الداخل الروسي و «الربيع العربي»
يمكن القول، ومن دون مبالغات كبيرة، إن «الربيع العربي» أثر بدرجة ما على الداخل الروسي. ففي مارس / آذار 2011، أوضح استطلاع للرأي أن 94 % من الروس الذين شاركوا في الاستطلاع عبروا عن استعدادهم للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد السلطات الرسمية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في روسيا.
وقبل ذلك في 14 فبراير / شباط 2011، أي بعد أيام قليلة من خلع مبارك، خرجت مظاهرةللمعارضة الروسية في قلب العاصمة موسكو، رافعة شعاراً يقول «روسيا ستسير على خطى الثورةالمصرية». وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي جرت في ديسمبر / كانون الأول 2011، والتي شابهاالتزوير بشكل فاضح لصالح حزب السلطة )حزب بوتين(، انطلقت احتجاجات شعبية لم يسبق لها مثيل في موسكو ومدن روسية أخرى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وطالبت هذه الاحتجاجات بإجراء انتخابات نزيهة وتنحى بوتين عن السلطة وعدم عودته إلى الكرملين. ولكنه عاد إلى عرش الكرملين مرة أخرى عبر انتخابات رئاسية في الرابع من مارس / آذار 2012، تقول عنها المعارضة الشعبية الروسية إنها كانت مزورة أيضا.
إن طبيعة النظام السيًاسي الذي تشكل في روسيا مع صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000، تمثل عاملاً هاما في تفسير الموقف الروسي المتحفظ من «الربيع العربي». فهذا النظام يعتمد ما يسمى «الديمقراطيةً الموجهة»، التي تسمح بتبادل السلطة العليا في البلاد داخل النخبة الحاكمة الضيقة وليس على التداول الحر للسلطة السياسية. ومثال اختيار بوتين لميدفيديف ليخلفه في رئاسة روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 لدليل واضح على ذلك. كما أن عودة بوتين من جديد للكرملين تعكس بوضوح «لعبة الكراسي الرئاسية» التي يتبعها، والتي بدأ الكثير من الروس يشعرون بالتململ منها.
إن نظم «الديمقراطية الموجهة» هي نظم تستخدم الستار الديمقراطي «للتغطية» على طبيعتها التسلطية سواء الصريحة أو المستترة. وهذه النظم تتضمن بعض الحريات والحقوق، التي تسُتخدم في الأساس للاستهلاك الخارجي أمام الرأي العام الدولي، وللاستهلاك الداخلي أمام قوى المعارضة التي يعمل نظام «الديمقراطية الموجهة» على إضعافها باستمرار. وتختلف «الديمقراطية الموجهة» عن النظام التسلطي الصريح بأنها مغلفة ببعض مظاهر الديمقراطية الدستورية الحديثة، حيث توُجد انتخابات برلمانية ورئاسية، ودستور وحرية «مُقيدة» للتعبير عن الرأي. ففي روسيا، على سبيل المثال، نلاحظ وجود ملامح لحرية التعبير عن الرأي. وهذا يرجع إلى أن السلطة الروسية تدرك أن مثل هذه الحرية «المُقيدة» للتعبير عن الرأي لن تؤثر كثيرا على الوضع في روسيا ولذلك تسمح بها. وهذه الحريات المُقيدة – في رأي بعض الباحثين الروس – ربما تتشابه مع الوضع الذي كان قائما في مصر نهاية عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ويقتصر دور الناخب في «الديمقراطية الموجهةً» على مباركة نتائج الانتخابات، حيث يحُرم من حق الاختيار الحقيقي أثناء الانتخابات عن طريق تزوير إرادته.
إن نظام «الديمقراطية الموجهة» في روسيا وضع أساسه الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين عندما قصف البرلمان في 1993 بالدبابات، وأقر دستورا جديداً يمنحه صلاحيات قصوى في مواجهة السلطة التشريعية، وعندما شاب التزوير الانتخابات الرئاسيًة لعام 1996، التي فاز بها يلتسين ليستمر لولاية ثانية بمساعدة المال السياسي الملتحم مع السلطة، وأخيراً عندما «ورث» الحكم لفلاديمير بوتين في نهاية عام 1999. وجاء بوتين ليرسخ «الديمقراطية الموجهة» في روسيا على مدار ولايتين رئاسيتين) 0002 – 2008(، وعبر توليه منصب رئيس الوزراء في 2008. ومع عودة بوتين إلى عرش الكرملين في 2012 تبينأن السلطة الحاكمة ونخبتها ترغب في البقاء في الحكم مدى الحياة، وترفض تداول السلطة مع القوىالسياسية الأخرى بطريقة شفافة ونزيهة. ولذلك اندلعت موجة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبيةعلى تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية 2011، وعلى عودة فلاديمير بوتين إلى عرش الكرملين لولاية ثالثة. وكما يقول الباحث الروسي، فلاديمير بريبيلوفسكي: «إن ما يجري في روسيا يهدد بالانتقال من الديمقراطية الموجهة إلى النظام التسلطي الصريح». وبعبارة أخرى يمكن القول إن «الديمقراطية الموجهة» قابلة للتحول إلى التشدد والتسلط وربما الديكتاتورية.
بجانب ذلك يخشى الكرملين أن يؤثر صعود الإسلاميين في بلدان «الربيع العربي» على منطقة القوقاز الروسي وعلى المسلمين الروس عموما، الذين تقدر أعدادهم اليوم بأكثر من 20 مليون مسلم. ويسود اعتقاد لدى الكرملين بأن الصعود الاسلامي في البلدان العربية قد ينُعش النزعة الانفصالية في القوقاز الروسي من جديد. ولكن هذا، برأينا، من مبالغات السياسة الروسية، لأن الحديث يدور اليوم عن احتجاجات شعبية في عموم روسيا تطالب بالحرية وتداول حقيقي للسلطة والتخلص من معادلة احتكار السلطة والفساد المستشري .
لقد حذر بوتين عدة مرات من صعود الإسلاميين الراديكاليين في بلدان «الربيع العربي» على الوضع في شمال القوقاز الروسي. وفي مقال نشرته صحيفة «موسكوفسكييه نوفوستي» الروسية في عددها الصادر 27 في شهر شباط 2012 تحت عنوان «روسيا والعالم المتغير»، يقول بوتين «إن العديد من البلدان العربية شهد قبل عام مظاهرات متزامنة ضد أنظمة الحكم الفردي. وكان هناك أمل في أن يؤدي «الربيع العربي» إلى تغيرات إيجابية.
ولكن سرعان ما بات واضحا أن أحداث الكثير من البلدان لا تأخذ المنحى الحضاري، إذ جرى استبدال سيطرة إحدى القوى بسيطرة قًوة أخرى أكثر تشددا وبطشا بدلاً من ترسيخ الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات». تقييم بوتين هذا، الذي يلمح فيه إلى خًطر وصًول الإسلاميين إلى السلطة في بلدان «الربيع العربي»، لم يمنعه بأي حال من الأحوال في إطار البرغماتية الروسية أن يتواصل مع هؤلاء الإسلاميين عبر سفراءه في البلدان العربية المعنية، ولم يمنعه من استقبال الرئيس المصري، محمد مرسي، الذي يمثل جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. إن هذا الخوف من انتقال «عدوى» الربيع العربي إلى روسيا عامة أو إلى القوقاز خاصة، دفعت ببعض المحللين الروس من ذوي التوجهات القومية للحديث عن «تحالف أمريكي – إسلامي» ضد روسيا، وهو ما يلقى رواجاً في بعض الدوائر الرسمية والإعلامية الروسية.
المصالح الروسية و«ربيع العرب»
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي دعت روسيا، ولا تزال، إلى بناء عالم متعدد الأقطاب في محاولة منها للحفاظ على مصالحها بسبب اقتراب حلف الناتو من حدودها ومرابطة طائرات هذا الحلف في دول البلطيق على مقربة من العاصمة الروسية، وبسبب التهديدات التي تراها محتملة على أمنها من جراء الدرع الصاروخية.
وسارعت القيادة الروسية مع وصول بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 إلى ترتيبأوراقها على الساحة الدولية والشرق الأوسط. فكان بوتين أكثر زعيم روسي في عدد زيارته إلى البلدانالعربية إبان ولايته الرئاسية الثانية) 2008 – 2004(، حيث زار مصر والجزائر والمغرب والمملكة العربيةالسعودية والإمارات وقطر والأردن وليبيا والأراضي الفلسطينية. وأكمل ميدفيديف هذه الزيارات بزيارة سوريا في عام 2010 بجانب بعض الدول العربية الأخرى من بينها مصر والجزائر.
وكان الهدف من وراء هذه الزيارات فتح الطريق أمام الشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة ومشاريع البنية الأساسية للعمل في هذه البلدان وبيع الأسلحة الروسية لها. وبالفعل تمكنت القيادة الروسية من زيادة حجم التبادل التجاري مع البلدان العربية من أقل من ملياري دولار في عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي إلى حوالي 8 مليارات دولار في 2010.
في مقاله «روسيا والعالم المتغير»، المذكور أعلاه، يفصح بوتين بوضوح عن هواجسه من تأثير «الربيع العربي» على المصالح الاقتصادية الروسية في البلدان العربية. فيقول «إن الشركات الروسية تفقد مواقع عملت من أجلها خلال عشرات السنين في أسواق البلدان التي اجتازت «الربيع العربي» ويتم تجريدها من عقود كبيرة في هذه الأسواق مثلما حصل في العراق في وقت سابق، وتحتل هذه المواقع شركات الدول التي كانت لها اليد الطولى في تغيير أنظمة الحكم. وقد يخطر على بال المرء أن الأحداث المأساوية لا يقف وراءها الحرص على حماية حقوق الإنسان بقدر ما تقف وراءها رغبة أحد ما في إعادة اقتسام الأسواق. على أي حال فإننا لا يمكن أن ننظر نظرة هادئة إلى هذا، ونعتزم أن نعمل مع السلطات الجديدة في البلدان العربية على استعادة مواقعنا الاقتصادية في وقت سريع».
إلى هنا ينتهي الاقتباس من مقال بوتين، والذي يعكس بوضوح أن الموقف الروسي من الثورات العربية يتعلق بأسواق فقدتها أو قد تفقدها روسيا بسبب هذه الثورات وأنها تسعى حاليا للبحث عن طرق لاستعادة هذه الأسواق، بما في ذلك التعامل مع الحركات الإسلامية الصاعدة في المنطًقة، والتي عبر بوتين مرارا وتكراراً عن خشيته منها على القوقاز. وربما يفسر هذا جزئياً تشدد روسيا تجاه الثورة السورية، فالأمًر يبدو وكأنه يتعلق بحصول موسكو على ضمانات كافية للبقاء في السوق السورية وغيرها من البلدان العربية .في هذا السياق تعمل أيضا الآلة الإعلامية الحكومية الروسية عبر مقالات وتصريحات تعُدد حجم الخسائر، التي تكبدتها روسيًا وسوف تتكبدها بسبب الثورات العربية. ففي مقال نشُر في صحيفة «نيزافيسمايا» ذائعة الصيت بتاريخ 29 شباط 2013، يكتب إيغور ناؤموف «إن تغيير وخلع الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحمل ضررا كبيرا للاقتصاد الروسي، فالشركات الروسية تفقد عقودا مفيدة وأسواق هامة في هذه المنطقة. ومنً ثم سًتتحمل ميزانية الدولة الروسية خسائر بمليارات الدًولارات».
ويفسر كاتب المقال موقف موسكو المدافع عن النظام الحاكم في سورية بحجم استثمارات الشركات الروسية في الاقتصاد السوري، التي يقدرها بـ 20 مليار دولار في مشاريع البنية الأساسية والطاقة والسياحة. ويضيف إلى هذه الخسائر بعض العقود العسكرية المحتملة التي تم بحثها مع النظام السوري بمبلغ 4 مليارات دولار، بجانب شطب روسيا لأربعة مليارات دولار أخرى من ديون سورية التي كانت مُستحقة للاتحاد السوفيتي.
وفي ما يتعلق بليبيا يشير المقال إلى خسائر روسيا المتمثلة في عقد لتوريد أسلحة روسية للعقيدالقذافي بمبلغ 1.8 مليار دولار جرى التوقيع عليه في يناير 2010، وعقود أخرى افتراضية نوُقشت معالنظام الليبي السابق تتعلق ببيع طائرات حربية وللنقل العسكري ومنظومات للدفاع الجوي بمبلغ إجمالي 4.5 مليار دولار. إضافة إلى أكثر من 4.5 مليار دولار شطبتها روسيا من مديونية ليبيا المستحقة للاتحاد السوفيتي السابق في أبريل 2008 مقابل شراء أسلحة روسية وعقود للشركات الروسية في مجال الطاقة والبنية الأساسية. كما أن شركة السكك الحديدية الروسية في 2008، فازت بمناقصة لبناء خط سكك حديدية سريع في ليبيا بمبلغ إجمالي 2.2 مليار يورو. ويعترف كاتب المقال بأن 40% إلى 50% من قيمة العقود التي وقعت مع القذافي كانت عبارة عن عمولات غير مشروعة تدخل في إطار الفساد المالي. ويختتم الكاتب الروسي مقاله هذا بالتحذير من أن ما حصل مع روسيا في العراق في 3002 وخسرت موسكو بسببه أكثر من 30 مليار دولار )حسب تقديراته( يتكرر اليوم معها في ليبيا وسورية وبعض البلدان العربية الأخرى بسبب الثورات العربية. ولكن من يحسب الخسائر الاقتصادية والعسكرية الروسية من جراء «الربيع العربي» يتناسى مكاسب روسيا الهائلة من ارتفاع أسعار النفط والغاز خلال السنوات الأخيرة، والتي أدت عملياً إلى تحقيق نمواً اقتصادياً كبيراً في روسيا بما في ذلك زيادة الأجور والمرتبات.
بعض المراقبين يضيف إلى أسباب تشدد روسيا في موقفها من الثورة السورية وجود قاعدة عسكرية بحرية روسية في طرطوس.
ولكن هذه «القاعدة» في حقيقة الأمر هي مجرد مركز لصيانة السفن وتزويد الأسطول العسكري الروسي بالوقود والمؤن عند مروره عبر البحر المتوسط. وفي السنوات الماضية كثر الحديث عن تحويل هذا المركز إلى قاعدة عسكرية فعلية للأسطول العسكري البحري الروسي، ولكن لم تتخذ خطوات عملية في هذا الموضوع حتى يومنا الحاضر .
النخبة الروسية والأزمة السورية
في سياق الموقف الرسمي الروسي «المتحفظ» تجاه الحراك الثوري العربي عامة، و «المتشدد» تجاه الحراك الثوري السوري خاصة، تبرز أهمية التعرف على آراء ومواقف النخبة الروسية من سياسيين وإعلاميين وأكاديميين من هذا الموضوع لما لهم من تأثير على الرأي العام الروسي وصانع القرار في الكرملين. ونبدأ بالسياسي المخضرم والمختص في شؤون الشرق الأوسط يفغيني بريماكوف، الذي أيد عمليا ثورتي تونس ومصر وفند مزاعم روسية بأن الثورة المصرية كانت من صناعة أمريكية – غربية في مؤًتمر صحفي عقده خصيصا بعد تخلي مبارك عن السلطة في شباط 2011. لقد قال بريماكوف حينذاك «لقد ظننا أن الثورات الاًجتماعية ضد الأنظمة الاستبدادية باتت من الماضي، ولم نأخذ في الحسبان التطورات، التي جرت في العالم مثل تطور الإنترنت، ووسائل الاتصال الحديثة». ودافع عن الثورة المصرية ونفى عنها شبهة ارتباطها بالولايات المتحدة الأمريكية .
ولكن مع الحراك السوري بدأ بريماكوف بالتنظير حول ضرورة التمييز بين ثورتي تونس ومصر السلميتين وما جرى في ليبيا ويجري في سوريا. وأعلن بريماكوف في عدة مقابلات صحافية أن القذافي وبشارالأسد واجها منذ البداية جماعات مسلحة على عكس الطريقة السلمية التي جرت بها الأحداث في تونسومصر، مشدداً على أن الغرب خدع روسيا وشن الحرب على ليبيا بالرغم من أن القرار 1973 لم يخوله بذلك. ويصف السياسي الروسي المخضرم موقف بلاده من الأحداث في سوريا بالأخلاقي، ويقول «أعتقد أن روسيا تنتهج موقفا يمكن أن نسميه بأنه الموقف الوحيد الصحيح في هذه الأوضاع. فلو كنت رئيساً للحكومة حاليا أو وزيًرا للخارجية، لكنت اتخذت الموقف نفسه.
والأمر الذي يعجبني أن هدفنا ليس الحصول على مًكاسب مًن هذا الصراع بأية وسيلة، لأن موقفنا أخلاقي وجوهره المحافظة على حياة الملايين من الناس، وكذلك الاهتمام باستقرار منطقة مهمة.
أما المفكر والمنظر الجيوسياسي ألكسندر دوغين زعيم حركة أوراسيا الروسية، فيعتبر أن الولايات المتحدة تؤسس لشرق أوسط جديد انطلاقا من مصالحها فقط عبر نشر الفوضى ودون أن تأخذ في الحسبان مصالح الدول الأخرى.
ويقول دوغيًن «إن مصالح روسيا تكمن في منع تأسيس عالم أحادي القطبية والسعي لبناء عالم متعدد الأقطاب بغض النظر عن مصالح ورؤى الولايات المتحدة الأمريكية .»ويعتبر أن مصير العالم المتعدد الأقطاب يتقرر اليوم في سوريا، ولذلك يجب على موسكو – برأيه – عدم التخلي عن بشار الأسد.
ويصل دوغين إلى حد القول بأن «تخلي روسيا عن بشار الاسد سيعني أنها تكتب شهادة وفاتها ووفاة العالم متعدد الأقطاب.
ويصر الكسندر إيغناتينكو، مدير معهد دراسات الأديان والسياسة وعضو لجنة الأديان التابعة للرئيس الروسي، يصر على تشبيه ثورات «الربيع العربي» بالثورات الملونة في جورجيا) 2003( وأوكرانيا) 4002( من حيث إنها صناعة أمريكية – غربية. ويرى أن ما يجري في بعض البلدان العربية افتعُل من قبل السعودية وقطر والإمارات من أجل مواجهة إيران وكل ذلك مرتبط مع خطوط نقل النفط. أما إيغور بانارين أستاذ علم السياسة في جامعة موسكو، فيشدد من جانبه على أن دعم روسيا لبشار الأسد يؤكد على أن موسكو لا تتخلى عن حلفائها ويطالب بضرورة توسيع مناطق النفوذ الروسية حول العالم. ومن جانبه يؤكد الصحفي الروسي ذائع الصيت والمقرب من الكرملين، ماكسيم شيفشينكو، أن تجربة روسيا المريرة مع الأزمة الليبية كانت ضربة قوية لمصالح روسيا. ويطالب شيفيشنكو القيادة الروسية بالوقوف إلى جانب النظام السوري والاستمرار في دعم بشار الأسد وعدم تأييد الغرب وقطر والسعودية في مساعيهم لإسقاط النظام السوري لأن هذا، في رأيه، سيعني انتقال الحرب مباشرة الى الحدود الروسية .
ويعتبر دفاع موسكو عن النظام السوري هو دفاع عن روسيا نفسها.
على خلفية مواقف وآراء تلك العينة المشار إليها أعلاه من النخبة الروسية والتي هي الأكثر تأثيرا على الرأي العام في روسيا، تظهر بين الفينة والأخرى آراء ومواقف أخرى لبعض المحللين والمراقبين الرًوس تتسم بالمرونة في نظرتها للحراك العربي. فالمحلل السياسي المعروف إيفان سافرانتشوك يعتبر أن الأزمة السورية وضعت الدول التي تدعم الأسد وتلك التي تطالب برحيله في موقف لا تحسد عليه .ويرى أن روسيا فقدت الكثير من شعبيتها في الشارع العربي بسبب موقفها من الأزمة السورية. ويقول «إن روسيا لا تريد أن تتكرر في سورية سيناريوهات سبق أن جُربت في أماكن أخرى وأسفرت عن نتائجمأساوية، ولا تريد كذلك أن تنتقل عدوى التطرف الديني السني من سوريا إلى منطقة شمال القوقازأو إلى آسيا الوسطى خاصة وأن رؤساء جمهوريات أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان، ليسوا أفضل من الرئيس السوري.»
ويرى فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة الدولية» أن موقف روسيا إزاء الأزمة السورية القائل بأنها تتمسك بمبادئ القانون الدولي ولا تتمسك بالأسد لا يلقى تفهما في العواصم العربية.
ويقول «عندما قررت روسيا أن تكبح جماح الغرب، وتلعب نفس الدور إزاء الأًزمة السورية ،فوجئت بحكومات الدول العربية، كلها تقريبا، تقف على الضفة الأخُرى». ويطالب لوكيانوف على استحياء الدبلوماسية الروسية في مقالات أخرى بإعادة النظر بدرجة أو بأخرى في كيفية حل الأزمة السورية.
وتعتقد مارينا سابرونوفا الأستاذة بجامعة العلاقات الدولية والمتخصصة في العلوم الشرقية بعدم قدرة أي طرف من أطراف النزاع في سوريا على الحسم العسكري. وتقول «في هذه الحالة ينبغي انعاش الحلول السلمية، حيث يمكن لروسيا أن تساعد الأخضر الإبراهيمي في هذا الشأن».
وتضيف الباحثة الروسية «إن موقف الإبراهيمي من التسوية في سوريا قريب من الموقف الروسي والصيني، حيث إنه يدعو إلى ضرورة مشاركة جميع الأطراف في المفاوضات السلمية، بما في ذلك الرئيس بشار الأسد .»وترى مارينا سابرونوفا أن الوقت حاليا مناسب لقيام روسيا بالوساطة من خلال الضغط على الحكومة السورية، كما أنه مناسب – من وجهة نًظرها – من حيث ضرورة اللجوء إلى المراقبة الدولية لما يجري على الأرض في سوريا وإمكانية البداية بمفاوضات ولو جزئية بين الأطراف المتنازعة عن طريق عقد مؤتمر دولي في عاصمة محايدة.
وتخلص مارينا سابرونوفا إلى استنتاج مفاده أن مصالح روسيا في الشرق الأوسط تكمن قبل أي شيء في مجال الأمن، وأن استعادة سمعة روسيا في هذه المنطقة ،والتي تضررت على خلفية الربيع العربي، ستكون أمراً معقداً وصعباً لأن موسكو تخسر بقوة في الحرب الإعلامية الدائرة حاليا.
هكذا تبدو مواقف وآًراء النخبة الروسية من الحراك العربي ومن الأزمة السورية وتتراوح كما رأينا بين تبني كامل للموقف الرسمي وبين محاولات بتوخي بعض الموضوعية. وقد لعبت هذه الآراء وتلك دوراً كبيرا على مدار العامين الماضيين في تشكيل الرأي العام الروسي، الذي بات في قسم كبير منه ينظر بحذرً شديد للربيع العربي.
هل سيتخلى بوتين عن الأسد؟
بعد عودته إلى الكرملين من جديد لولاية رئاسية ثالثة لمدة ست سنوات قادمة قد تطول إلى 12 سنة )أي حتى عام 2024( يتردد السؤال المطروح أعلاه – هل سيتخلى بوتين عن بشار الأسد؟ يقول بوتين في مقاله المنشور بتاريخ 27 / 2 / 2012 «لا يجوز لأحد أن يحاول تنفيذ السيناريو الليبي» في سورية.
ويجب أن يبذل المجتمع الدولي جهوده في سبيل تحقيق المصالحة بين السوريين. ومن الهام بمكانأن يتم وقف العنف مهما كانت مصادره في أسرع وقت، وإطلاق الحوار الوطني الشامل بين السورييندون شروط مسبقة ودون تدخل أجنبي مع احترام سيادة الدولة. وسيمهد هذا لتنفيذ ما أعلنته القيادة السورية من إجراءات لإشاعة الديمقراطية». هذا الاقتباس يتكون عمليا من معظم البنود التي جاءت في الاتفاق العربي الروسي، الذي تم التوصل إليه أثناء اجتماع وزير الخارًجية الروسي سيرغي لافروف في العاشر من مارس / آذار 2012 مع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية بالقاهرة. وهو اتفاق مثل، برأي الكثيرين، تراجعا عربيا لصالح الموقف الروسي.
ولأن روسيا تدرك جيدا عدمً رغبةً الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بالقيام بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد بسببً العديد من الاعتبارات ضمنها الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية، فإن موسكو تواصل تشددها في انتظار إجراء «مساومة كبرى» مع الغرب تحقق عبرها ما تصبوا إليه من مكاسب. فالكرملين، على ما يبدو، يعتبر الثورة السورية فرصة تاريخية لإثبات وجود روسيا على الساحة الدولية كلاعب رئيسي في إطار ما يروج له مع الصين من ضرورة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب بغض النظر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى وإهدار حقوق الإنسان وارتكاب النظام السوري لجرائم ضد الإنسانية. فهذا الجانب الحقوقي من الجوانب الضعيفة للغاية في السياسة الخارجية والداخلية لروسيا .ونعتقد بوجود «تفاهمات أولية» بين موسكو وواشنطن تجلت في دعوة لافروف وكيري في السابع من مايو / أيار 2013 إلى عقد مؤتمر دولي «جنيف 2» لتسوية الوضع في سوريا على أساس وثيقة «جنيف» الموقعة في شهر حزيران 2012. فالتخوف الروسي الأمريكي المشترك من «الجماعات الإسلامية المتطرفة»، ربما دفع البلدين إلى مثل تلك التفاهمات الأولية، والتي لا تعني بأي حال غياب خلافات بينهما بشأن التسوية، وتحديدا حول مصير الرئيس السوري. فمصير الأسد، حسب الكرملين ،يمكن التطرق إليه بعد بدء المفاوضاتً وعندما يقترب موعد الاستحقاق الرئاسي في العام 4102. وتعتمد هذه الرؤية، التي يبدو أنها باتت روسية أمريكية مشتركة حاليا، تعتمد على إبقاء جزء من النظام السوري الحالي فاعلاً في أية تسوية سياسية مقبلة مع تطعيم هذا النظًام مستقبلاً بعناصر من المعارضة السورية. ولكن هذا الحل «المفترض» يواجه معضلات عدة، منها صعوبة ضمان موسكو لتنحي الرئيس السوري حتى في العام القادم، وإغفال وجود لاعبين إقليميين باتت لهم قدرات كبيرة على التأثير في الوضع الداخلي السوري.
والأهم، برأينا، أن هذا الحل يتجاهل طموحات السوريين، الذين انتفضوا من أجل الحرية والكرامة الإنسانية وبناء الدولة الديمقراطية المدنية.