دمشق/ عصام العطار
“إنّني أُعْلِنُ لكم، ولِشَعْبنا ِّكله، بغايةِ الصراحةِ والوضوح، رفضيَ لهذا الانقلاب، ولأيّ حكم دكتاتوريّ عسكريّ أو مدنيّ ينشأ عنه، واستمساكي بالحكم الديمقراطي الدستوري.
وأقولُ لأصحابِ الانقلاب القائم ومَنْ وراءهم، ولكل مواطن عاقل شريف:
إنّ الذين يسلبون شعوبهم حريتَها وإرادتَها وقرارَها يسلبونَها روحَها وحياتَها وكرامتَها وقدرتَها على التحرُّرِ والتقدُّمِ وبناءِ ِّأي مستقبلٍ كريم، ويقتلونَها، ويقتلون حاضرَها ومستقبلَها، وإن ادّعَوْا
– واهمينَ أو كاذبين مخادعين – أنهم يُريدون لها الحياة”.
عصام العطار مسجد جامعة دمشق-البرامكةعقب الانقلاب البعثيّ في الثامن من آذار/ مارس 1963م.
ماذا أقولُُ عن سورية؟!
ماذا أقول عن أهلنا في سورية؟!
ماذا ُأقول عن ِآبائنا ّوِأم ِهاتنا ِوِأبنائنا ِوأحفادنا ُوكِ ِّل ٍمخلوق فِي سورية؟!
ماذا أقولُ عن القصْف والهدْم والقتْلِ والجراحاتِ في النُّفوس والأجسام؟!
ماذا أقولُ عن ِملايين المُشَرَِّدين والمُهَجَّرين داخلَ سورِية ِوخارِجَها في أقسَى الظُّروف؟!
ماذا أقولُ عن الجوعِ والبرد والأمطارِ والثّلوجِ والخيام البائسَة التي لا تحْمي من حَ ٍّر ولا ٍبرد ولا مطرٍ ولا سيلٍ يغمُرُ الأرض؟!
ماذا أقولُ ماذا أقول؟!!
ولماذا أقول؟!!
إنَّ عُيونَ ِالعالم ِّكل ِه تَرى مباشَرَةً هذا ِالواقعَ المفزعَ الرَّهيب الذي لا يُحيطُ ِبه وَصْفإنَّ آذانَ العالمِ كُ ِّلهِ تسمَعُ صُراخَ العَذابِ والآلامِ التي لا تَحُدُّها حُدودولكِنَّ هذا كُلَِّهُ لا يصِلُ واحسِْرَتاهُ إلىِ القُلوبِ والضّمائِر في هذا العالمِ العَجيب!
لقدْ تَحَجَّرَت القُلوب، وماتت الضَّمائر!
113
ولكنْ أينَ أنتم أيُّها العرُبُ وِالمسلِمون؟!
أَيْنَ أنتمِ أيُّها العرُبُ والمسلمون؟!
لَمْ أستَطع أنْ أنام وملايينُ عُيونٍ في ِأهلنا ِوبلادنا لا تعرِفُ النّوم
* * *
– من خصائص الإنسان المسلم أنّه لا يحبّ الخير لنفسه فقط ، وإنما يحبّه لسائر الناس ؛ ولا يريد أن يَدْرَأَ الشرّ عن نفسه فقط ، وإنما يريد أن يدرأه عن سائر الناس ؛ وهذا ما ِّيوفر الأساس والمنطلَق النفسيّ والفكريّ للتعاون مع سائر الناس في كلّ ما يدرأ عن العالم ِّكله الشرّ ، ِّويحقق له الخير.
* * *
– انتصارُنا الأكبر أن نصل بالحقّ إلى قلوب من يتنكّرون للحقّ ، وأن نردَّهم من داخل أنفسهم إلى سواء السبيل ، كما فعل الرسل والأنبياء ومن تبعهم بـإحسان.
* * *
– صدّقوني : الحقُّ قويٌّ جدّاً عندما ِّنجسمه بعلم وفهم ، وصدق وحبّ ، وعندما تَ ِشعُّ أنوارُه من قلوبنا وعقولنا ، وأقوالنا وأفعالنا ، في محيطنا الصغير ، وفي عالمنا وعصرنا ، في مختلف مجالات الحياة .
* * *
– إياكم وردودَ الفعل الجاهلة العمياء ، فهي قد تُهلكُ أصحابَها ولا تُنصفُهم ، وتميلُ بهم عن طريق الحقّ والشرع فيخسرون الآخرة مع الدنيا.
* * *
– إذا أردتَ أن تكون نجماً هادياً في هذه الظلمات ، فلا بدَّ أن تحترق لِتُضيء ، وأن ترتفع لتكون في السماء ، وأن تتحمّلَ راضياً ما يكلّفك ذلك من الألم والتعب والصبر المرير.
* * *
– الذي لا يبصر ولا يفهم ولا يستوعب التطورّات الكبرى والتغيّرات الكبرى في عالمنا وعصرنا على الصعيد العلميّ والتكنولوجيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأخلاقيّ والسياسيّ والعسكريّ …
لا يعيش في عالمه وعصره ، ولا يستطيع أن يُؤدّي فيه رسالتَه الشاملة الخيّرة على أفضل وجه .
* * *
– لا تُخطئوا فَهمي ، فقد يكون لإنسان طَيّب بسيط بإخلاصه وصدقه ، واستقامته وخُلُقه ، من التأثير في محيطه الضيّق ، ما ليس لكثير من الثرثارين المتَفَيْهِقين من أدعياء العلم والفهم والإرشاد والإصلاح.
* * *
– رَذيلةُ ِالأقوياء الظلمُ ، ورذيلةُ ِالضعفاء الْخُنوع ، وهما خَصْلَتان متقابلتان متآزرتان من ِّشر خِصال الإنسان .
* * *
– لو كان للدول العظمى من قوة الأخلاق ما لها من قوّة السلاح لكان العالم بألف خير.
* * *
– كلّما عَظُمَ مجرمٌ قُوَّةً وبطشاً ، ازدادَ صَغاراً وعاراً ، فأكبرُ المجرمين أحقرُهم وأبغضُهم عند اللَّه وعند الناس .
* * *
– القوّة الحقيقيّةُ أن تحملَ نفسَك على الحقّ وأنتَ قادرٌ على الباطل ، وعلى العدل وأنتَ قادر على الظلم ، وعلى العفو والإحسان وأنتَ قادر على الإساءة والانتقام.
* * *
– إن لم تعرف هدفك كيف تجدُ طريقك إليه ؟ وإن لم تؤمن به كيف تسعى – ولو عرفتَ طريقَه – إليه ؟
وإن لم يكن عندك العزمُ والإصرارُ كيف تتخطّى العقبات ؟ والفكرُ والإبداعُ كيف تواجه المتغيّرات ؟ والمثابرةُ والصبرُ كيف تتابع المسير ؟ والاجتهادُ والدأُبُ كيف تصل إلى المطلوب ؟ والإخلاصُ والتجرُّدُ ، والاستقامةُ والشجاعةُ .. كيف لا تنحرفُ بك المخاوفُ والشدائد ، والأهواءُ والمغرياتُ عن سَ ِواء السبيل ؟
أمّا إذا فقدتَ ثقتك بنفسك فإنك لن تقدر بعد ذلك على شيء ، ولن تصلح بعد ذلك لشيء ، فحاذر أن تفقد الثقة بالنفس على أيّ حال من الأحوال.
* * *
– قلت له :
هل سـمعتَ ما قاله فلان ؟ فقد أجبتَه وكأنك لم تَسمعه- قال لي :
أنا لم أسـمعه بالفعل ، ولم أكن مَعْ ِنيّاً بسماعه ، فقد كنت أُدير في نفسي أمْراً آخر أريد الكلام فيه تُرى كيف يمكن أن يِتفاهم الناس ، وأن يتحاوروا ، إذا كانوا لا يُصْغي بعضُهم لبعض ، ولا يحرصون على فَهْم بعضهم بعضاً ولو جلسوا للحوار والنقاش.
* * *
– إن الذين يتكلّمون ويتكلّمون ولا يستمعون ، لا يتعلّمون من الناس ، ولا يعرفون الناس ، ولا يكتسبون محبّتهم واحترامهم ، فلا تَفُتْكُم مَزِيّةُ السماع والإصغاء .
* * *
– شتان بين حوار منهجّي مخلص يهدف إلى ِالتعارف والمعرفة والكشف ، ِواستبانة ما اختُ ِلفَ فيه من الحقّ ، وبين حوار لا يطلب إلاّ الغَلَبَةَ والنصر بأيّ طريق.
115
* * *
– لا أحدَ أكبرُ من أن يتعلّم ، ولا أحدَ أصغرُ من أن يُعَ ِّلم .
* * *
– إننا نحن المسلمين في خير أحوالنا يخاطب بعضُنا بعضاً فيما بيننا ، ولا نخاطب العالم من حولنا
، ولا نملك بالقدر الكافي ، والمستوى الكافي ، أسبابَ ذلك ووسائلَه الضرورية: من المعرفة والإرادة والبذل ، والتواصل والتفاعل والحوار ، والاختصاصات واللغات المختلفة.
يجب علينا أن نَفْهَم العالم وأن نُفْهِم العالم ، وأن نصل إلى ِإنسانه ومجتمعاته – ما قَدَرْنا – بحقائقنا وأفكارنا ومشاعرنا ، وأن نكون – إن قَدَرْنا – قلبَ العالم النابض ، وعقلَه المفكر ، ولسانَه الناطق بالحق والعدل وِالإحسان والرحمة والخير ؛ فمصائر البشر في هذا العالم قد اتصلتْ وارتبطتْ فلا يمكن فصلُ بعضها عن بعض.
* * *
– المسلمُ مَدين في هذا العالم والعصر ِل ِدينه ، ولنفسه ، ولأمته ، وللبشر جميعاً ، بأن يكشف لهم عن حقائق الإسلام التي طمسها الطامسون ، وغَطّاها المغطّون ، وشوّهها المشوّهون ، وبأن يجتهد بكلّ أمانة وإخلاص ، كُلٌّ حَسَبَ اختصاصه وقدرته في أداء هذا الدَّيْن .
* * *
– ما أشدَّ امتزاجَ الخير بالشرّ ، والشرّ بالخير في هذا الدنيا !
المطرُ الذي ينزل من السماء فيه الغيثُ المُحْيي والصواعقُ المهلكة ، ومنه النباتُ والحياة والسيولُ المدمّرة ؛ فلا تنتظر في هذا الدنيا – وهي دارُ ابتلاء – صفواً بلا كَدَر ، ولا خيراً بلا شرّ ، وَوَ ِّطن نفسَك عِلى هذا وذاك فتلك هي طبيعة الحياة .
مَنْ لَكَ بالْمَحْض ولَيْ سَ مَحْضُ يَخْبُثُ بَعْضٌ ويَ ِطيُبُ بَعْضُ )(
* * *
– لماذا نُفاجَأُ بأخطاء الناس وأوزارهم وهم ليسوا بالملائكة الذين لا يعصون اللَّهَ ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ؟
ولماذا نُفاجَأُ أحياناً باستقامة الناس وأفضالهم وهم ليسوا بالشياطين الذين يستعيذ من همزاتهم ووساوسهم المستعيذون ؟
مهمّتنا في هذه الدنيا أن نجاهد لِيَغْ ِلب الحقّ والخير في أنفسنا ، ولِيَغْ ِلب الحقّ والخير في محيطنا وعالمنا وعصرنا ، وأن نتعاون في ذلك مع سائر الأبرار الأخيار في هذه الدنيا .
* * *
– إذا تصورتَ الدنيا خيراً خالصاً صدمك فيها كل شرّ
وإذا تصورت الدنيا شرّاً خالصاً يئستَ فيها من كلّ خير ، أو اتهمتَ فيها كلّ خير
يجب أن نعرف الدنيا كما هي بخيرها وشرّها ، وجمالها وقُبحها ، حتى لا نُصْدَمَ فيها أو نيأس ؛ ولو لم تكن الدنيا كما هي عليه لما كان لنا فيها ِرسالةِرسالةٌ نؤدّيها ، ولما كانت لنا دار ابتلاء.
* * *
– إذا لم تُؤَ ِّد دَوْرك في إشاعة الخير ومكافحة الشرّ في مجتمعك وعالمك وعصرك ، فالشرّ سينفذ إليك في بيتك وغرفة نومك ، وسيغالبك ويغلبك في نفوس أبنائك وبناتك وسائر أفراد أسرتك ، ولو اعتزلت العالم والدنيا.
* * *
– في نفس كلّ واحد منا – كما يقول الغربيون – الدكتور « جيكل » الطيب ، ومستر « هايد » الشرّير الخبيث ؛ ولكن يبدو أن الهيمنة في الأنفس والعالم هذه الأيام إنما هي للشرير الخبيث مستر « هايد » وليست للطبيب الطيّب الدكتور « جيكل » .
* * *
– مسكين هذا العالم ! ما تزاِل تجتاحُه الحينَ بعدَِ الحين عواصفُ البربرية القديمة المتوحشة ؛ ولكنْ بقدرة أكبر على الإبادة والتدمير ، والخداع والتمويه ، والكذبِ والتزوير.
* * *
– كم سحقَ الطغيانُ تحت أعيننا ، علىٍ امتداد حياتنا ، من ٍحٍقيقة من الحقائق ، ٍوفضيلة من الفضائل ، وشعبٍ من الشعوب، وجماعة من الجماعات ، أو فرد من الأفراد !! ..
ويْلٌ للإنسانِ من الإنسان !
* * *
– أيُّ صَِغارٍ للإنسِان أَخْزى من أن يُلَوّثَ البيئة ، ويزيدَ حرارة الجوّ ، ويسهم في تغيير المناخ ، ويَسْتنفدَ ثروات البرّ والبحر ، وٍيهدّدَ الحياةَ والأحياءَ ومستقبلَ الأجيال .. ليملأَ جيوبه بمال أوفر ، ويصل إلى مُتَع ٍ أكثر ، ومَلَذّات أغْرَبَ وأَفْجَر ، وهو غارق إلى أذنيه في المتع والملذات ؟!
* * *
– لقد مَزّقْتُ في الشهور الأخيرة صفحات وصفحات مما كتبت ، ومزّقتُ معها شيئاً من قلبي ..
فقد كان فيها بعضُ قلبي ؛ ولكنني أشفقتُ أن تزدادَ القلوُبُ بها حُزْنَاً إلى حزن ، والآفاقُ ظلاماً إلى ظلام.
* * *
– لا سلاحَ أمضى من سلاح العلم ِ والفكر.
ولا كلمةَ أقوى من كلمِة ِّالحق وِالصدق.
ولا ملاذَ آمَنَ من ملاذ الإيمان وِالصبر.
ولا واحةَ أندى من واحة الأُخُوّة والحب.
117
ولا مَطْلَبَ أسْنَى من رضا اللَّه وثوابه عزَّ وجلَّ.
* * *
– أنا لا أحِلُم بأجيال تقتفي أثرنا وتتبعنا ؛ ولكن بأجيال تتجاوزُنا ، وتحلّقُ فوقنا ، وتبلغُ ما لم نبلغ من ِالقمَم والآماد.
* * *
– حرّك جَناحَيْكَ يا أخي ِّوحلق ؛ فالرغبةُ ، والعزيمة ، والمحاولة الصادقة ، والتجربة العملية ، هي التي تعرّفُك بنفسك وإمكاناتك ، وترتفع بطاقتك وقدرتك إلى أبعد مدىً ممكن ، وتكشف لك ما تستطيعُ وما لا تستطيع .
* * *
– ما لا تستطيعُه اليومَ قد تستطيعُه غداً أو بعدَ ٍغد بالإرادة والجهد والصبر ، ِوالأخذ بالوسائل والأسباب .. وعونِ اللَّه عزَّ وجلَّ إذا أخلصتَ وصدقت ، وقدّمتَ كلّ ما تطيق.
* * *
– عندما توجَدُ الإرادةُ الواعية الصادقة يوجَدُ الطريق الموصل
وعندما يوجدُ العملُ الخالصُ الدائُبُ البصيرُ توجَدُ الثمرةُ الطيبة المنتظرة .. مهما كانت العوائقُ والمصاعُبُ ، ومهما امتدَّ أو اشتدَّ الزمان ؛ فلا تفقدوا الأمل أبداً في مستقبل أفضل.
* * *
– قال لي مُبَ ِّرراً انصرافَه عن العمل الإسلاميّ إلى شؤونه الخاصّة وحدها :
لا فائدة من متابعة العمل والجهد .. إنّنا لن نستطيع أن ننهض بأعبائنا ومسؤوليّاتنا الإسلامية في عالمنا وعصرنا بحال من الأحوال ، فهي أعباء كثيرة كثيرة ، ثقيلة ثقيلة ، خطيرة خطيرة ..
لا يقوى على حملها أحد
– قلت له :
احملْ أنت يا أخي من الأعباء وِالمسؤوليات ما تُطيق ، ودع الباقي لسواك ؛ ولو حمل كلُّ واحِد منا من الأعباء ما يُطيق لخفَّ العبْءُ على الجميع ، وتَفَـتَّـتَتْ هذه الجبالُ التي ِتجثمُ على الكواهلِ والصدور ، وتخنـقُ العزائمَ والآمال ، وتقتـلُُنا باليأس والإحباط
* * *
– أرأيتَ لو مرض – لا سمح اللَّه – ولدٌ من أولادك ، أو حبيٌبٌ من أحبابك ، مرضاً طويلاً عسيراً خطيراً لا أملَ في شفائه .. أكنتَ تتخلَّى عنه ، وتنفض يدَك منه ؛ أم تستمرّ تبذلُ له – رغم يأسك من حالته – ما تستطيع وما لا تستطيع من مالٍ وجهِد ؟ِ
لو كان حبّك لدينك وأمتك كمحبـتّك لصَف ِّيك وولدك، لما تخلّيتَ عنهما، أو قصّرتَ في العمل لهما ، والبذل فيهما ، ولو حلّ بجسمك التعب ، وخالط نفسَك اليأس .. وإن كان اليأس والإيمان لا يجتمعان
* * *
– لا يسأل مؤمنٌ صادقٌ واعٍ نفسَه أبداً هذا السؤال :
هل أعمل أو لا أعمل ؛ ولكنه يسأل نفسه بإلحاح واستمرار :
كيف أعمل بشكل أصوب وأفضل وأنجع ، وكيف أرفع نفسي وعملي إلى مستوى إسلامي ومهمتي
، وعالمي وعصري ، وحاجات الإسلام والمسلمين ، والإنسانية والإنسان ، في هذا العالم والعصر
* * *
– كلّما اشتدّ الظلامُ ازدادتْ مناراتُ الهداية ِضِياًءً وتَأَلـقُّاً وكلما عمَّ الفسادُ ازدادَ الإصلاحُ ضرورةً وقيمةً
وكلّما عَظُمَ الخطر ، وعظُمت المشقّة ، عَظُمَ العملُ فضلاً وثَواباً في الدنيا والآخرة ، وانكشفتْ به حقائقُ الرجال ، ومزايا الرجال
* * *
– عندما تنغلق أبواُبُ الأرض تنفتُحُ أبواُبُ السماء ، ويتطلّع الإنسان بقلبه ونظرِه وأمله إلى خالق السماء والأرض ، فيأتيه – إذا صَدَقَ غايةَ الصدق ، وبذل غايةَ الجهد – عونُ ربّه عزَّ وجلَّ ، ويَنْشَقُّ له طريقُ الفرج والخلاص والفوز .. من حيث يحتسب ولا يحتسب
* * *
– عندما أرى وأسـمع على شاشة التلفزيون ِصرخات ِالأمهات الثكالَى ، والأزواجِ الأَيامَى ، والأطفالِ اليتامَى .. واستغاثَتَهُنَّ بحكّام العرب والمسلمين .. وأرى أحوالَهُنَّ البائسات ، ودموعهنَّ النازِفات ، وآمالهنّ الكاذباتِ .. أتذكّرُ الشهيدة العظيمةَ أمَّ أيمن رحمها اللَّه تعالى ، وكلمتَها التي وجّهتْها من أَعماق قلبِها وخبْرَ ِتها وآلامها .. إلى الأخوات الفلسطينيات في ” تَلّ الزعتر “ أيامَ مذبحة تلّ الزعتر سنة 1976م ، وقالت لهنّ فيها :
– « لماذا تَسْتَنْزِفْنَ دموعَكُنَّ ، وتُمَ ِّزقْنَ حَناجِرَكُنَّ – أيّتـهُا الأخوات الفلسطينيات – ِبنداء حكّ ِام العرب والمسلمين ؟! .. أما علمتُنَّ بَعْدُ أنَّ ” المعتصم “ لم يَعُدْ له وجود ، وأنّ نَخْوَةَ ” المعتصم “ قد ماتتْ من زمن بعيد ؟! » وأسأل نفسي :
– ما عساها أمُّ أيمن كانت تقول الآن لو امتدتْ بها الحياة ، ولم تُستَشْهَد على يد الظلم والبغي والإجرام في هذه المدينة ” آخن “ .. ما عساها كانت تقول ، وما عساها كانت تكابد وتعاني ، وهي ترى ما نرى ، وتسمع ما نسمع ، من المآسي ومن الصرخات ، ومن ضروِب القتل والتنكيل والتعذيب ، الذي لا يرعى حُرمَِةَ كبير أو صغيِر .. رجل أِو امرأة .. مُقاوِم أو مُساِلم .. والذي يصل إلى الأطفال في دروبهم ومدارسهم، وفي بيوتهم ، وغُرَف نومهم، وأحضانِ أمهاتهم .. كيف كان يمكن أن تصبر على ذلك كله ، وأن تسكت عن ذلك كله ، وهي التي كانت تقول – صادقةً فيما تقول – :
– « ما سمعت بطفل من أطفالنا أو ٍّشاب من شبابنا استشهد في سبيل اللَّه إلاّ تصورتُ أنّني أُمّه وأنّه
119
ولدي ، وأحسستُ لفقده بمثل إحساس ِّالأم الرؤومِ لفقد ولدها البار » وتقول :
– « يا إلهي ! كيف يستطيع إنسان أن يقتل إنساناً آخَرَ بغير حقّ ؟! وكيف يستطيع إنسان أن يُ ِّعذبَ إنساناً مهما كانت الأسباب ؟! »
رحم اللَّه ” بنان “ ، فقلَّ أن يجود بمثلها الزمان ، وبعث نَخوةَ العروبة والإسلام الميـتّةَ في نفوس الشعوب والحكام من جديد ، وفرّج عن إخوتنا وأخواتنا في فلسطين وفي كلّ مكان ، ونصر بقدرته الحقّ على القوة ، والخير على الشرّ ، وهدانا وهدى البشر جميعاً سَبيلَ الرشاد والعدالة والسلام
* * *
– قال لي أحد القراء :
هل تختلفون مع الولايات المتحدة الأمريكية في شعاراتها وقيمها ، وهي ترفع شعارات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان .. ؟
– قلت :
إننا لا نختلف مع هذه الشعارات وإن اختلفنا في بعض مضامينها
أما خلافُنا الأساس مع الولايات المتحدة الأمريكية فهو في ممارساتها العملية ، وتطبيقاتها الفعلية المباينة لهذه الشعارات .. وماذا تفيد الشعارات الجميلة ، والعناوين الجميلة ، والأسماءُ الجميلة .. إذا ناقضتْها أو خالفتْها المسمّياتُ والمحتويات ؟ .. وهل يبدّل في حقائق الأمور شيئاً أن تضع على كأس العَلْقَم بطاقةَ السُّكَّر ، وعلى ِّالسم القاتل اسمَ البَلْسَم ؟ .. وكذلك هي شعارات الولايات المتحدة الأمريكية وممارساتها ؛ فكم انتهكت من حقوق الإنسان باسم حقوق الإنسان ، ومن الحريات باسم الدفاع عن الحريات ! .. وكم تعدَّدَتْ في مواقفها وتصرفاتها الموازينُ والمقاييس ، وكابرتْ في الحقائق البيّنة أو الملموسة أظْهرَ ما تكون ! .. وكم أسكرتْها نَشْوَةُ القوّة وكبرياؤها ، فعاملتْ غيرَها من الدول والشعوب باستكبار واستعلاء واستهتار ، وألحقتْ بها ضروبَ الأذى وألوانَ الهوان
– يا قارئي العزيز :
نحن لا نختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية في شعاراتها وقيمها ، وإن اختلفنا في بعض المضامين ، إنّما خلافُنا الأساسُ معها .. إنما هو – غالباً – في الممارسات والتطٍبيقات ، ولو أن الولايات المتحدة الأمريكية وفَتْ لشعاراتها وقيمها التي تعلنها ، وجَسَّمتْها بأمانة وصدق ، لما كان لها عند أكثر الأمم والشعوب إلاّ المحبة والتقدير.
* * *
– عالَمُنا اليوم عالَم عجيب غريب .. أتصوّره أحياناً مخلوقاً أُسْطوريّاً عجيباً نَمَتْ غرائزُه وأطرافُه وقُواه الماديةُ الهائلة ، وتَقَلَّصَ قلبُه وإيمان هُ وضميرُه ومشاعرُه الإنسانية السامية ، وصار عقلُه المدهش في خدمة غرائزه وشهواته وأهوائه الهابطة .. بدل أن يِكون هو الدليل والقائد والموجّه لقد امتدّ بصرُ الإنسان بعيداً بعيداً في كل مجال ؛ ولكن طُمسَتْ بصيرتُه ، وعظُمتْ معرفتـهُ وإمكاناتـهُ على كلّ صعيد ؛ ولكن تضاءلتْ حكمتُه ، واعْتَلَّتْ إنسانيّتُه ، وخَبَتْ روحُه ، وفَسَدَ خُلُقُه هذا المخلوقُ الأسطوريّ الفظيع الذي يزدادُ كلَّ ساعة معرفةً وقدرةً ، وشرّاً وخطراً .. سيقضي في النهاية على نفسه وعلى غيره من المخلوقات ، ما لَمْ يتدارَكْه اللَّهُ برحمِته وهدايتهِ وعونه ، وما لم يتمكنْ أصحاُبُ القلوبِ والضمائر والعقول الراجحة ، والرُّؤَى الإنسانية والأخلاقية السامية ، والإيمانِ والإخلاصِ والشجاعةِ والتضحيةِ .. من أن يَرُدّوه بتكاتفهم وتعاونهم ، وعملهم الدائب البصير .. إلى سواء السبيل
* * *
– نحن لا نحارب الإنسانَ في أيّ مكان ؛ ولكننا نحارب من أجل الإنسان ، وهداية الإنسانِ ، وحرية الإنسان ، وكرامة الإنسان ، وخيره في دنياِه وآخرته على كل صعيد .. عربيّاً كان أو عَجَميّاً ، شرقيّاً كان أو غربيّاً .. وكلُّ إنسان يشعر بإنسانيته بصدق ، وبمسؤوليته الخطيرة عن نفسه ، وعن سواه من البشر وسائر المخلوقات .. هو شريكُنا في العمل ، وحليفنا في الكفاح
* * *
– إذا لم يكن للإنسان في حياته هدف عظيم يتجاور عُمُرَهُ المحدود .. فهو حَشَرةٌ تافهة ؛ فالحشراتُ أيضاً تأكل ، وتشرب ، وتمارس الجنس ، وتتناسل وتتكاثر ، وتُغنّي وتطرب كالبشر .. ألم تسمعْ مرَّة غناءَ الذباب والصراصير ؟!
* * *
– عندما يتعلّق الأمر بمصير الإنسانية والإنسان .. ترخصُ كلُّ تضحية ، ويَهون كلُّ جهد لإنقاذ الإنسانية والإنسان .. وهما الآن في أشدّ خطر
* * *
– أَحْ ِسنْ إليَّ أو أَ ِسىءْ إليّ .. فأنا أعبد اللَّه عزَّ وجلَّ بالشكر على الإحسان ، وبالعفو عن الإساءة .. إلاّ أن يتعلّق الأمر بحقّ من حقوق اللَّه عزَّ وجلَّ -كما علّمنا رسولُ اللَّه )ص( – أو بمصلحة مشروعة ظاهرة من مصالح الناس
* * *
– كم مرّ بنا – نحن الشيوخ – في مٍاضيات أيامنا ، على امتداد تجارِبنا وأعمارِنا .. من خيرٍ وشرّ ، وعُسْرٍ ويُسر ، وفرحٍ وحزن ، ووفاء وغدر ، وأمن وخوف ، وهزيمة ونصر ، وقوة وضعف ، وصحة ومرض ، وِلذّة وألم ، وإقامة وسفِر ، وفقدِ أحبابٍ واستقبالِ أحباب ، وتقلُّبٍ بين الصبا والشباب ، والكهولة والشِيخوخة ، والشهرة والعزلة ، والمدحِ والذم .. كل ذلك مضى كأنّه لم يَكُنْ قطُّ .. لم يبقَ منه إلاّ صلَةٌ صادقةٌ باللَّه يَأْنَسُ بها القلبِ ، أو عملٌ صالح يُرْجَى به مرضاةُ اللَّه عزَّ وجلَّ ..
أو ذنوٌبٌ تُؤَ ِّرق أَيامَ المذنبينَ الأخيرة ، وتُفْسدُ آخرتَهم .. إن لم يشملهم اللَّه برحمته ، ويَتَغمّدْهُم
121
بعفوه ومغفرته .. فيا أخواتي وإخوتي : لا يَشْغَلْكُمُ الزائلُ عن الخِالد ، ولا تُلْهِكُم الدنيا عن الآخرة ، فما أسرعَ ما تتصرّمُ الحياة الدنيا ، وتجدون أنفسَكم أمامَ آخرتكم ومصيرِكم وجهاً لوجه
* * *
– لقد مات إخوةٌ لي وأصدقاء وأحباب ، ما وَفَّيْتُهُمْ في حياتهم ما أَسْدَوْهُ إليَّ من جميلِ ، وما أَدَّيْتُ إليهم حَقَّهم من الشكر ، وكم ندمتُ بعدَ رحيلهم – حيثُ لا ينفع الندم – أَنّني لم أُفْصح لهم وهم أحياء عمّا لهم في قلبي من المحبّة والتقدير ِوالعرفان .. وسأموتُ – كما يموتُ كلُّ حيّ – وهناك إخوة وأصدقاء وأحباب .. أعطوْني من محبّتهم ، وَأَسْدَوْا إليَّ من عَوْ ِنهِمُ الكثيرَ الكثير ، ولم يعرفوا ما لهم في نفسي من الحبّ ، ولم أستطع أن أردّ لهم بعض ديونهم عندي
فيا إخوتي الذين باعد بيني وبينهم المكان ، وحالتْ بيني وبين لقائهم أو الحديث إليهم الظروف .. ويا إخوتي الذين أعيش معهم ويعيشون معي في هذه البلاد .. إنّ قلبي ليفيضُ لكم جميعاً على البعد وعلى القرب بالمحبّة والشكر والدعاء
ويا أيها القراء الأعزاء .. بادروا إلى إظهار ما في قلوبكم من المحبّة الصادقة ، التي لا رياءَ فيها ولا نفاق ، لبعضكم بعضاً ، وإلى شُكر ِّكل من أسْدَى إليكم يداً ، أو قام بعمل صالح لخدمة المجتمع والناس ؛ فليس في هِذه الحياة ما هو أَنْدَِى على القلوبِ من صادقِ الحبّ ، وليس في الأخلاق ما يسمو على إسْداء ِالجميل ، والاعتراف بالجميل ، والشكرِ الخالص على الجميل .. ولا تُؤجّلوا ولا تتردّدوا ، فأنتم لا تدرون متى تنتهي بكم أو بمن تحبّونهم الأعمار ، ومتى يرحل عنكم الآباءُ والأمهات ، والإخوةُ والأخوات ، والأصدقاءُ والأحباب
* * *
– إن لم يكن هناك تخلّف يؤلمنا فنثور عليه ، وظلم يُرْ ِمضُنا فنثور عليه ، وفساد يُؤَ ِّرقنا فنثور عليه
، وفُرقة تُ ِّمزقنا فنثور عليها ، وهزيمة تُذلنا وتُعذّبنا فنثور عليها وعلى أنفسنا .. كيف يمكن أن يكون هناك تحوّل وتقدّم وإصلاح وصلاح ووحدة وانتصار ؟!
* * *
– التحدّيات الكبرى تهوي بناس إلى الحضيض ، وترتفع بناس إلى السماء ؛ فمن أيّ الصنفين نحبّ لأنفسنا أن نكون ؟!
* * *
– هل تشعر عندما يُظْلَم أيُّ بريء أنّك أنت المظلوم ، وعندما يستغيث أيُّ مُسْتغيث أنك أنت المقصود ، وعندما تغرق البلاد في البؤس والفساد ، ويهرب الناس من حمل المسؤوليات والتبعات ، أنّك أنت المسؤول ؟
إن كنت تشعر بذلك حقّاً وصدقاً ، فأنت مرْجُوٌّ لقيادة البلاد والعباد ، أو الإسهام في قيادة البلاد والعباد ، إلى الخلاص والنجاة ، والعدالة والإصلاح ، والنهضة الحقيقية المأمولة ، إذا استكملت ما ينقصك من الصفات والمؤهّلات والوسائل ، وأخذتَ الأمور بقوّة وجدّ ووعي وصدق وإخلاص * * *
– كم هي موجعةٌ مفزعةٌ مخزيةٌ هذه الحقيقة :
كثير من الناس الذين تتباينُ ظواهرُهم وشعاراتُهم وانتماءاتُهم ، يتفقون في دخائلهم ومقاصدهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، فكلّهم يطلب في دخيلتة الدنيا ، وإن اختلفت الأشكال والألوان والأقوال
* * *
– ما أحوجنا إلى الصدق في القول والعمل ، واستواء الظاهر والباطن ، أمامَ أنفسنا ، وأمام ربنا ، وأمام الناس ؛ وما أقلّ الصادقين الصادقين!
* * *
– كيف ِتوقدُ شُعْلَةَ الحماسة في النفوس إذا كانت جوانحُك لا تنطوي إلاّ على رماد ؟!
* * *
– القُدْوَةُ الصالحة تخاطب الناس بلا حروف ، وتنفذ إلى قلوبهم بلا وسيط ، وتَ ِحفزُهم من داخل أنفسهم إلى أَقْوم الأخلاق ، وأفضل الأعمال
* * *
– لسانُ الصدقِ ِوالإخلاص ِوالأسوة ِالحسنة أبلغُ لسانٍ وإنْ لم ينطق بكلمة واحدة
* * *
– ليست القضيّةُ قضيّةَ ٍمعرفة وبيانٍ فحسب
إذا لم تسبق إلى العمل بما تدعو إليه ، فلن يكون لكلامك المنفصل عن ِالقدوة الصالحة ، والعملِ البصير ، أيُّ تأثير
* * *
– ما أصعبَ السَّيْرَ في طرِيق الحقّ والواجب ، والصبرَ على آلامه ومآسيه وتَبِ ِعات ِه ِّالثقال ، لمن كان لا يرجو اللَّهَ واليومَ الآخرَ ، ولا يذكرُ اللَّهَ كثيراً * * *
– إذا تَحوَّلت العاطفةُ من دافع إلى قائد ، فانتظر في مثل ظروفنا الراهنة ألوان الضياع والضلال والبلاء
* * *
– إننا لا نطلب الحريةَ لأنفسنا فقط ؛ ولكننا نطلبها أيضاً لسائر الناس ، ولا نخاف مُقارَعَةَ الرأْي بالرأي ، فنحن لا نَنْشُدُ الْغَلَبَةَ ، وإنما ننشد الحقّ والصواب
* * *
– الحقُّ نور ، والباطلُ ظلام ، ولا يمكن أن ينتصر الظلامُِ على الِنور . ومهما طاِلتِ جَوْلَةُِ الباطلِ
، وطَغَتْ وبَغَتْ ، فلا بدَّ أن يضمحلّ : } … وَيَمُْحُ اللَّهُ الْبَاطلَ وَيُحقُّ الْحَقَّ بِكَ ِلمَاته إِنَّهُ عَليمٌ بِذَات
123
الصُّدُورِ { ] الشورى : 24 [ * * *
– ما أكثر من يَحْدُو بك إلى الغاية البعيدة ، ولا يدلّك على الطريق ، أو لا يعرف الطريق وما أكثر من يحدو بك إلى الغاية البعيدة ، وهو قاعدٌ لا يشاركك السَّعْيَ ، ولا يكون لك أو معك القدوةَ الصالحة ، والدليلَ البصير
* * *
– إذا لم تجاهد في اللَّه حقّ الجهاد ، لترتفع إلى مستوى رسالتك التي تَزْعُم ، فأنت منافق كذاب ، وكيف تكون صادقاً إذا رضيتَ مكانَك في الحضيض ، وكانت رسالتك المزعومة في السماء
* * *
– يتوهَّمُ بعضُ الناس أنَّ الواقع العربيّ والإسلاميّ الراهن يحتاج بعضَ ِّالضمادات والعلاجات ، وبعض العكاكيز ليقف على قدميه ويستأنف المسير! ..
ولكن ما فائدة هذا الوقوف الْمُتَرَ ِّنح ، والمسير المتعثّر البطيء ، الذي تُلفظ معه أو بعدَه الأنفاس ، في عالم ينطلق إلى أبعد الكواكب ، ويتحرّك بسرعة الضوء ؟!
إننا نحتاج روحاً جدِيداً ، وفكراً جديداً ، وعزماً جديداً ، وأجيالاً جديدة تَرُدُّ على اِلإنسانية ِّكلها إيمانَها وكرامتَها ، وقيَمَها الجديرة بها ، وطاقتَها وقدرتَها على أداء رسالتها التي خُلقت من أجلها ، وعلى التقدّم والسموّ المستمرّ ِّالمتجدد على كل صعيد
* * *
– كم ذا أضيق ببعض ِالزواحف البشرية التي لا ترفع عيونها ورُؤاها أبداً إلى السماء ، ولا تنظر إلاّ إلى التراب وديدان التراب
* * *
– كيف يمكن أن يكون في العالم الإسلاميّ تطوّر وتجدّد وتقدّم إذا خلا من الأعلام المجتهدين المجدّدين في مختلف جوانب الحياة .
– الاجتهادُ والتجديد والتطوير الحقيقيّ يحتاج إخلاصاً وعلماً وفكراً وإبداعاً ، وسائرَ ما ذكره الأقدمون من الشروط ، ويحتاج أيضاً شجاعةً وصبراً وتضحيةً لا تعرف الحدود.
* * *
– المجتهد المجدّد العظيم لا تصنعه الأيدي الخارجية بمقدار ما يصنعه إيمانُه وغيرتُه وشجاعتُه ، وشعورُه بالمسؤولية الدينية والاجتماعية والإنسانية ، ورؤيتُه الواضحة لحاجات أمته وبلاده وعالمه ، وحاجات الحاضر والمستقبل ، وجهودُه الدائبةُ الصادقة في طلب الحقّ والصواب
* * *
– كم عانى المجتهدون المجدّدون – وكم يعانون – من أصحاب النظرات المحدودة الضيّقة ، والعقول الجامدة القاصرة ، والنفوس المريضة الحاسدة ، وكم كان بينهم من ضحايا!
* * *
– ما أكثر ِّالمقلدين في ثياب ِّمجددين ، والجهلاء المجتهدين على غير أساس من الأمانة والكفاية والرؤية الصحيحة للأمور .. وما أشدّ البلاء بهؤلاء في هذه المرحلة الخطيرة من حياة المسلمين!
* * *
– ِّالمجددون الزائفون .. يكذبون وهم يدَّعون أنّهم يصدقون ، ويُ ِضلّون وهم يدّعون أنّهم يَهْدون
، ويَهْدمون وهم يدّعون أنّهم يبنون ، ويقودون إلى الهلاك المادّيّ والمعنويّ وهم يدّعون أنّهم يقودون إلى الحياة الكريمة والمستقبل الكريم .
* * *
– أكبر الخطأ أن تقعد عن الحركة والعمل مخافةَ الخطأ ، أو أن تتحرّك وتعمل وأنت لا تبصر الهدف
، ولا السُّبُل الموصلة إلى الهدف ، ولا تملك لذلك القدر الضروريّ من المؤهّلات .
* * *
– كيف تصل إلى هدفك المنشود – مهما اجتهدت وتعبت – إذا أخطأت الطريق الصحيح الموصل ، أو عجزت عن مواجهة عقباته ، ومتابعة المسير ؟!
* * *
– ما أكثر الذين باعدتهم خطواتُهم الخاطئة عن أهدافهم ، وأوردتهم موارد الضياع والهلاك
* * *
– شَتَّانَ بين حَذَرٍ يحمي العمل ، وحذر يُقْ ِعدُ عن العمل ، الأوّلُ فضيلةٌ نافعة، والثاني رذيلة ضارة من أقبح الرذائل
* * *
– كم ذا أرثي لرجال كبار ، جَمَدَت حياتُهم عند نقطة مضيئة في سالف أيامهم ، وقفوا عندها واستوقفوا غيرهم ، وقد تخطّاها الزمان ، ولم يعد يهتمُّ بها أكثر الناس!
وكم أُعْجَُبُ بالذين ينظرون بقلوبهم وعقولهم ، وآمالهم وجهودهم ، إلى المستقبل ، ولا يحبسون أنفسهم في ماضيهم ، وإنْ جلَّ هذا الماضي ؛ بل يتجاوزونه باستبشار واستمرار ، ولا يأخذون منه إلاّ الدروس والعبر ، لصنع ما هو أسمى وأبقى ، وأجملُ وأكملُ من الأعمال
* * *
– ما أعظم أن يموت الإنسان من أجل مبادئه ، وأعظمُ وأصعُبُ وأجدى ، أن يعيش من أجل هذه المبادئ ، وأن يهبها حياتَه كلَّها .
* * *
– عندما تتجسّدُ المبادئ في ناس على مستواها يكون التغيير والتطوير والتحسين
– أمّا المبادئُ التي لا تتجسّدُ في شُخوص حيّة فاعلة ، فلن يكون لها في ذلك أثر
* * *
125
– إذا لم تتحرّر من هذا السؤال :
– ماذا يقول عني الناس ؟
غدوتَ عبداً رقيقاً للناس ، ولما يقولونه ، أو يمكن أن يقولوه ..
– إسأل نفسك :
ما هو أرضى لله ، وأنفع للعباد ، في المعاش والمعاد؟ فإذا استبان لك وجه الحقّ والمصلحة ، فامْضِ ولا تُبالِ بما يقوله عنك الجهلاء ، أو تقوله الأهواء
* * *
– أصلحْ ما بينك وبين نفسك ، تكُنْ أقدر على إصلاح ما بينك وبين الناس
* * *
– ما أسهلَ الإصلاح بين الناس إذا كان بينهم الحبّ ، وما أصعبه إذا كان بينهم البغضاء
* * *
– عظماؤنا الغابرون لهم أخطاؤهم وجوانب ضعفهم الإنسانية أيضاً ، فالعصمةُ المطلقةُ ليست لمخلوق ، ونحن لا نأخذ منهم إلا ما وافق الحقّ والصواب ، وطابق الشرع والعقل
* * *
– صواُبُ العالم المؤتمن يهتدي به أُلوف ، وغلطُه – والغلط من طبيعة البشر – قد يضلُّ به أُلوف ؛ فلا بدّ من العلم والوعي والحذر فيما نأخذه أو ندعه في مهمات الأُمور
* * *
– عندما يتّحدُ في نفس الإنسان الإيمانُ الصادق ، والعلمُ والفكرُ والإرادةُ والشجاعةُ والعمل .. تتفجّرُ في نفسه طاقات وإمكانات كبيرة جديدة ، ويترك فيمن حولَه ، وفيما حولَه أبلغ الآثار ، وأنفع الآثار
* * *
– أنا لا أيَأس أبّداً
ّإن أيام الشدة هي التي تولد فيها إرادةُ الكفاح ، َوأيام الهزيمة هي التي تولد فيها إرادة النصر ، وأيام اليأس هي التي يولد فيها ُنور الأمل .. وليس َأشَّ د من ِش َّد ِتنا ، ولا َأ ّم َّر من هزيمتنا ، ولا َأكثر من دواعي اليأس في حياتنا ؛ فلا بدّ بعد هذه المعاناة الطويلة الأليمة ، والليل المظلم المظلم ، من أن يبزغ لنا وبنا – إن شعرنا بمسؤوليتنا ، ونهضنا بواجبنا – فجرٌ جديد لنا وللإنسانية والإنسان
* * *
– لا تيأسْ أبداً ؛ فالدِنيا كلُّهِا قد تظلم بسحابة يأس ، وِقد تضِيء بومضة أمل فَكَمْ أَشْـرَقَتْ دُنْيـا لمُقْلَ ِة آم ٍل وَكَمْ أَظلمـتْ دُنيـا لمقلة ِيائس
* * *
– إبتسمْ .. إبتسم ؛ فالدنيا كلُّها قد تُضيء ببسمة حبّ ، وقد تُظلم بعَبْسَ ِة كراهية
* * *
– يُعْرَفُ الصادقُ من الكاذب ، عندما تتعارضُ دنيا الْمرْ ِء مع آخرته ، وتفترقُ منفعتُه عن عقيدته
، ويختلفُ هواه عن واجبه : هل يُؤْ ِثرُ العقيدة والواجب ، أم يؤثر المنفعة والهوى؟.. وما أكثرَ من يؤثرون المنفعة والهوى بواقعهم ؛ وإن بَقُوا ، أو بقيَ بعضهم ، مع العقيدة والواجب بالدعوى والكلام
* * *
– ينـزل بالمؤمن أحياناً من البلاء ما ينتظر وما لا ينتظر ، وما يحتمل وما لا يحتمل ، بما جنت يداه ، وبما لم تجن يداه ، فعليه أن يصبر ويحتسب ، ثمّ يصبر ويحتسب ، وأن يتابع خُطاه ، مهما ثَقُلَتْ خطاه ، على طريق الحقّ والواجب ، راضياً بقضاء اللَّه ، مؤمناً بعدالة اللَّه وحكمة اللَّه ، فأمرُ المؤمن كلُّه له خير ، كما أخبر رسولُ اللَّه
)( من أُرْجوزة لأبي العتاهية ، والمحض : الخالص الذي لا يشوبه شيء يخالطه