رانيا مصطفى
أنهك الشعب السوري، في ظل الاحتلال الفرنسي وبعيد الاستقلال، بفعل ممارسات الاستغلال الإقطاعية التي مورست عليه، وهو في غالبيته العظمى يسكن الأرياف، في حين حظي أبناء الأقلية المدينية وقتها، بإمكانية التعلم والحصول على وظيفة حكومية ودخل لائق؛ وبالمحصلة تركزت النخب الاقتصادية والسياسية والبرجوازية النامية في المدن الرئيسية، في حين انتشر الفقر والتخلف والاستغلال عموم أرجاء الريف السوري؛ الأمر الذي خلق عقدة من الاضطهاد لدى عموم أبناء الريف، تجاه سكان المدينة بسبب الفوارق الطبقية؛ وتظهر في مجتمعنا إلى الآن، آثار الحساسيات المتبادلة بين العائلات المدينية الأصلية، والعائلات التي تنحدر من بيئات ريفية، بما فيها السنية، وتسكن المدن ذاتها .
ينتمي أبناء الأقليات الدينية في غالبيتهم إلى الريف، ما جعل عقدة الاضطهاد والتهميش الريفية تتضاعف لديهم تجاه أهل المدينة، والذين هم غالبيتهم من المسلمين السنة، في ظل نشوء تلك الأقليات في مجتمع ريفي شديد التخلف، تتصدر الحساسيات الدينية والمذهبية والعشائرية أولى العوامل المتحكمة بتركيبته وعلاقاته؛ وبدورها النخب السياسية «المدينية»، المتنافسة على مقاعد الحكم آنذاك، لم تول أي اهتمام لمشكلات عموم الشعب المهمش في الأرياف، الأمر الذي منع حدوث استقرار سياسي للحكم، وسهل إمكانية حدوث الانقلابات العسكرية المتتالية؛ حتى جاء انقلاب البعث في 1963، بنفحة اشتراكية محلية النشوء والتكوين )اشتراكية فلاحية تقوم على التملك وليس العكس(، والذي تمكن من الاحتفاظ بالحكم لأنه حظي بتأييد الشعب السوري المهمش؛ فقد تغلغل في الجيش الذي تتكون قواعده بشكل رئيسي من أبناء الريف، ممن يؤدون الخدمة الإلزامية، وجاء انقلابهُ بجملة إصلاحات حلت عقدة الريف تلك، وفي مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي الذي حد من استغلال الفلاح، بإقراره مبدأ «الأرض لمن يعمل بها»، وكذلك أمم الصناعة وبنى صناعات وطنية ساهمت في النهوض بالاقتصاد الوطني، وأمنت فرص عمل لأبناء الريف ومكنتهم من السكن في المدن، وقدمت العديد من خدمات الرعاية الاجتماعية )مجانية التعليم والطبابة) (…1(.
واستولى حافظ الأسد، الضابط البعثي المنحدر من بيئة ريفية علوية، على حكم سورية بعد أن قام
بتصفية منافسيه في الحزب والجيش، واستبدلهم بآخرين من أصول ريفية، هم أكثر ولاء له، مستغلاً طموحهم، الناتج عن عقدة الاضطهاد الريفية ذاتها، في ممارسة السلطة والحصول على الثروة ،والتي تحققت بفعل نهب مؤسسات الدولة طيلة فترة حكمه من دون محاسبة، مما جعل مصير هؤلاء يرتبط بمصيره، بفعل ارتباط مصالحهم بوجوده؛ وبالتأكيد كان العلويون منهم هم الأكثر ولاءً بحكم عقدة الاضطهاد الأقلياتي، فكان الاعتماد الرئيسي في قيادة الجيش على ضباط علويين، إضافة إلى الأجهزة الأمنية المرتبطة مباشرة بأفراد العائلة الحاكمة، والتي كان قوام أفرادها الأساسي من فقراء العلويين، الأمر الذي أوحى إلى أبناء الطائفة العلوية، بل وإلى باقي الشعب السوري عموما، بأن العلويون يحكمون سورية؛ وترسخت هذه الفكرة في العقل السوري بعد قيام الطليعة المقاتلةً للإخوان المسلمين، في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات، بمحاربة النظام ومهاجمة مراكزه الأمنية ،والتي اتخذت ممارساتها طابعاً طائفياً )ضد العلويين أولاً، وباقي الأقليات الدينية ثانيا(، وكان رد النظام عليها طائفياً، مستخدما كتائب مؤلفة من مقاتلين علويين بقيادة رفعت الأسد سمًيت سرايا الدفاع؛ تلك الحرب التدميرية الًتي بلغ عدد ضحاياها عشرات الألوف، كان لها الأثر الكبير في تثبيت حكم النظام الاستبدادي، وإنهاء نشاطات المعارضة؛ واستفاد النظام وقتها من الدعم الدولي، ومن دعم النخب الاقتصادية في المدن الكبرى، والتي تحالفت معه في نهب مؤسسات الدولة وثرواتها ،ومن «التواطؤ» الشعبي، خاصة من أبناء الريف، الذين كان وضعهم المعاشي في تحسن بفعل الانتقال إلى التصنيع وإقرار قانون الإصلاح الزراعي.
في الواقع أحكم نظام الأسد السيطرة على المجتمع السوري كليا، والذي كان قبل مجيئه إلى الحكم مجزءا إلى طوائف وعشائر وغيرها من المكونات الأهلية المحليةً؛ إذ لم يناسبه وجود تكتلات أهلية متماسكًة بزعامات محلية، قد تنقلب ضده في أي وقت؛ لذلك عمد منذ استلم الحكم إلى تصفية وتهميش كل الوجاهات الطائفية والعشائرية النافذة ضمن بيئاتها المحلية، من مشايخ ورؤساء عشائر ومخاتير…، وأحل محلها وجاهات من صنعه، تكن له الولاء الكامل، إذ ترتبط مصالحها بأجهزته الأمنية؛ وبذلك فكك المجتمع من تكتلاته الأهلية دون أن يحرره منها، حيث لم يِبنِ نظام البعث دولة مدنية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، بل أسس نظاماً بوليسيا مستبداً، يؤمن استقرار المجتمع بالترهيب والدكتاتورية المطلقة؛ وبذلك جعل النظام نفسه، بًأجهزته الأمنية الضخمة، الملاذ الآمن للمواطن الفرد، ولكن شريطة الرضوخ التام لتلك الأجهزة، والخضوع لسياسات النهب والفساد والتفقير التي يقوم عليها النظام.
لكن حرب النظام على جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينات تركت في نفوس السوريين إرثاً كبيراً وعميقا من الخوف، استمر لعقود:
1- خوفً الشعب السوري من بطش النظام وأجهزته الأمنية، فهو لن يتردد في تصفية معارضيه أياًكانت انتماءاتهم الدينية والعرقية والعشائرية.
2- خوف الأقليات الدينية من وصول المتطرفين الإسلاميين إلى الحكم في حال رحل النظام.
3- خوف مضاعف لدى عموم العلويين، أساسه وهم طائفي، من انتقام مؤجل للأكثرية السنية منهم ،ردا على مجازر النظام في الثمانينات؛ مما جعلهم في حالة تأهب دائم للدفاع عن وجودهم، وهذا ما يوحًي به النظام ويؤججه خاصة بين المتطوعين في أجهزته الأمنية وفي بيئاتهم القروية.
4- خوف سكان المدن الكبرى، من الطبقة المتوسطة والغنية، من فوضى الاقتتال الأهلي؛ وبالتالي خسارة المكاسب التي يمتلكونها في ظل حماية النظام) 2(.
عزز كل تلك المخاوف حالة الفوضى والاقتتال الطائفي التي تسود البلدان المجاورة؛ ففي لبنان نشبت حرب أهلية دامية أنتجت نظاماً طائفيا بائسا، وفي العراق احتلال أمريكي مباشر قسم المجتمع إلى كانتونات طائفية تتنازع زعاماتها على نهًب البلًاد، وكل ذلك بدعم من الدول الإمبريالية التي تسعى لتفتيت الدول النامية، مستفيدة من التنوع الديني في ترسيخ التفتت المجتمعي وتعزيز الهويات الطائفية ما قبل الوطنية، من أجل منع تلك الدول من تطوير بناها السياسية والاقتصادية، وبذلك تحُكِم نهب ثرواتها وتبقيها تابعة لها.
النظام والتأجيج الطائفي مع بدء الثورة:
كان النظام مدركا أن شعبه قد يثور على سياساته الإفقارية، فبعد العام 2000 اقتضى استمرار عملية النهب وتراكم رأسً المال لدى النخب الاقتصادية القديمة والمستحدثة، بفعل نهب مؤسسات وشركات القطاع العام لدرجة الإنهاك، أن يتم تصفية تلك الشركات تدريجيا ويتحول الاقتصاد إلى الليبرالية الجديدة، مما يؤدي إلى ضرب المنتج الوطني وتصفيته، وسيادة اقتًصاد السوق الحر الريعي غير المنتج؛ كل ذلك سبب زيادة البطالة وسلب المواطن مكتسباته الخدماتية السابقة تدريجياً، كالرعاية الطبية والتعليم المجاني…، وهذا ما أدى إلى انسداد أفق المستقبل لدى شريحة الشباب، وصعوبة إيجاد فرص عمل؛ وهذا التهميش طال عموم المجتمع السوري بكل مذاهبه وأطيافه.
ونتيجة لكل ذلك، بالفعل بدأت الثورة السورية، فأدرك النظام قوتها وجديتها، واستعد لمواجهتها وفق اتجاهين:
1- إبعاد أكبر قدر ممكن من المناطق والفئات المجتمعية عن الثورة، إما للحفاظ على ولائها له وعدائها للثورة، أو على الأقل لتحييدها عن الانخراط فيها؛ مستفيدا من المخاوف المسبقة، التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة، لدى هؤلاء من فوضى اقتتال طائفيً قد يجَُر البلاد إليه؛ وهذه الشرائح هي من سكان المدن الكبرى )دمشق وحلب(، من ذوي الدخل المتوسط، وقد شارك جزء منها في نشاطات الثورة طلباً لمساحة حرية أكبر، ولكن مشاركة هؤلاء اتسمت بالتردد والبراغماتيةبسبب خوفهم على مصالحهم وأملاكهم؛ وأيضا عموم الأقليات الدينية والقومية المتخوفة من تطرف إسلامي قد يلغيها، وهؤلاء صدقوا أن النظام هًو من يحمي وجودهم، وقد كَسَرت ادعاءاتِ النظام تلك مشاركةُ كل من السويداء والسلمية وكذلك المناطق ذات الغالبية الكردية بالثورة) 3(، ولكن تلك المشاركة لم تلق دعما إعلاميا كافيا، ولا دعماً لوجستيا من قبل ناشطي المعارضة المكرسة في الخارج، كمثيلاتها من المناطًق الثائًرة الأخًرى، ومع أن النظامً تعامل معها بعنف، ولكن بدرجة أقل نسبيا من باقي المناطق، تجنبا لزيادة تأجيجها.
2- أماً المناطق الثائرة، فقد أدرًك النظام منذ البداية أنها لن تتراجع عن التمرد عليه، فتعمد تبديد الثورة فيها؛ وذلك أولاً: عبر جرها إلى مستنقع الطائفية، بافتعال مجازر طائفية بواسطة شبيحة علويين أو شيعة ينتمون إلى مناطق مجاورة، وهو ما زاد الحساسيات الدينية في تلك المناطق، وقد نجح النظام في ذلك نسبيا في مناطق الساحل السوري )اللاذقية وبانياس(، حيث تشكل الأحياء الثائرة فيها أقلية سكانية، وفًشل في حمص وباقي المناطق، وبالتالي لم يغير الثورة بالعموم عن هدفها الأساسي في إسقاط النظام، حيث حافظت على القاعدة الشعبية لها؛ وثانيا: عبر استخدام العنف العاري وغير المسبوق وتهجير سكانها، وهذا ما دفع الثوار فيها إلى التسلح وًتشكيل كتائب وألوية الجيش الحر، والتي طغى على شكلها الطابع الإسلامي، بحكم انتمائها لمناطق مهمشة يسود فيها الإسلام الشعبي غير المسيس، إضافة إلى حاجتها إلى الدعم اللوجستي والمالي والإعلامي، والذي يشترط عليها إبراز الطابع الإسلامي، وهذا ما عزز المخاوف الطائفية لدى الأقليات، خاصة مع عدم قدرة الثورة على بلورة برنامجها نتيجة غياب الحامل السياسي الحقيقي المعبر عنها.
دور وسائل الإعلام في التأجيج الطائفي:
في الأشهر الأولى للثورة، اعتمد النظام على وسائل إعلامه المختلفة، الرسمية وشبه الرسمية، من أجل الترويج لمؤامرة تهدف إلى إشعال حرب أهلية طائفية، خطط لها بندر بن سلطان بدعم أمريكي وإسرائيلي وتركي…، تهدف إلى ضرب محور الممانعة والمقاومة؛ واعتمد على إعلاميين لبنانيين، من ذوي الخبرة في التنظير للحروب الأهلية والتأجيج الطائفي؛ حيث روج لعصابات سلفية مسلحة تستهدف المدنيين على أساس طائفي، واستعان ببعض الحوادث هنا وهناك، منها ما ارتكبها شبيحته عمدا أو بالخطأ، ومنها ما كانت ردود أفعال حدثت بالفعل ولكنها كانت جانبية ومحدودة، ومنها ما تم فبًركتها وعرضها على أنها اعترافات إرهابيين تم إلقاء القبض عليهم، وقام بتضخيم تلك الروايات ،وعرض مشاهد لجثث ضحايا منكل بها.
في الواقع لم تكن الروايات التي قدمها الإعلام السوري محط تصديق السوريين، فالكل يعلم العقلية الأمنية التي تدار بها وسائل الإعلام، ولكنه استطاع أن يؤثر في شرائح واسعة من السوريين، ويبعدهمعن الثورة؛ فالموالون له كانوا يجدون في رواياته وأكاذيبه ما يساعدهم على تبرير تأييدهم له، وإنكار الجرائم التي يرتكبها، فتأييدهم له يعود إلى مخاوف مسبقة من الفوضى المرافقة للثورة، والتي سبق الحديث عنها في فقرة سابقة، وليس فقط لأنهم مضللون؛ أما المترددون في الانخراط في الثورة، فقد خلق إعلام النظام لديهم حالة من التشويش حول ما يحصل في سورية، خاصة مع منع وسائل الإعلام الأخرى من التغطية الميدانية، واعتمادها على ما ينقله شهود عيان، وعلى مقاطع الفيديو المنقولة عبر الانترنت، والتي يصعب التأكد من مصداقيتها.
دعم رواية النظام تلك عن أن الثورة هي مؤامرة ينفذها جماعات سلفية تستهدف الأقليات الأخرى ،توجه قنوات الإعلام السعودية الطائفية )صفا ووصال وغيرها…( إلى دعم الثورة بقصد تشويهها ،بعد أن كان مشايخ تلك القنوات، وأشهرهم العرعور، يحرِّمون التظاهر في البداية، وبات تحريضهم الطائفي يزيد تمسك المؤيدين بالنظام، ويعمق تخوف المترددين، ويعيق توسع الثورة.
أما وسائل الإعلام الخليجية الأخرى )الجزيرة والعربية(، والتي هي أدوات في يد مموليها، الذين يخافون وصول ثورات الربيع العربي إلى شعوبهم، فقد دعموا الثورة من باب تشويه صورتها وحرفها عن مسارها، عبر تعمد إظهارها على أنها حرب أهلية طائفية؛ حيث أنها نقلت جزءا مما يحدث بالفعل، عبر نشطاء على الأرض، متوسطي التعلم، حيث أن النظام كان قد قام بتصفية مًثقفي الثورة الأوائل عبر الاعتقال والقتل والتهجير؛ ونتيجة حاجة هؤلاء النشطاء إلى التمويل والاستمرار، اضطر جزء منهم، ولا سيما من أجيال الناشطين الثانية، إلى الارتباط ماليا بأموال خليجية، فهم من جهة ينقلون الحدث عبر تلك المحطات، ولكن من جهة ثانية يطلب إليهمً ممارسة دور سياسي أضر الثورة كثيراً، تمثل في الردح واستجداء المساعدات، والتركيز على أن النظام يمارس جرائمه من منطلق طائفي ،وأن السنة في سورية مستهدفون وبحاجة إلى تدخل دولي لإنقاذهم، وغالباً ما كانوا يقعون في فخ النظام حين يركزون على بعض الفيديوهات، التي يسربها لهم النظام عمداً، والتي تظهر انتهاكات طائفية الطابع يقوم بها شبيحة النظام، وذلك ما يصب في خانة وصف الثورة بالحرب الأهلية بين السنة والعلويين، الأمر الذي يبعد الكثير من السوريين عن الانخراط في الثورة. هذا فضلاً عن تركيز تلك المحطات على معارضين محددين يتصدرون الحديث باسم الثورة, وهم في غالبيتهم لهم ارتباطات سياسية بأنظمة الحكم المالكة لتلك المحطات، وليس لهم علاقة بالثورة مطلقا، بل يقدمون خطابا طائفيا على تلك الشاشات، يستثيرون بها مشاعر وغرائز الشعب المنهك بفعل القًتل والتدمير الذي يًحل بهً. وبالمثل تدأب المحطات الغربية الناطقة بالعربية في ترسيخ نظرتها تجاه شعوب المشرق العربي، بأنها مكونة من طوائف وأقليات متناحرة وأكثرية ثائرة تهدد تلك الأقليات، وكلها تريد أن تنفي بعضها أو تتحاصص على الحكم، وبالتالي هي تروج بأن ما يحدث في سورية هو اقتتال أهلي طائفي، وذلك من أجل التمهيد لإمكانية قيام نظام محاصصة طائفية، وبالتالي إبقاء المجتمعاتالعربية مفككة وتابعة سياسياً واقتصادياً لها).4(جيش الدفاع الوطني:
شكل النظام اللجان الشعبية في الأحياء الموالية له، ومولها برواتب يومية بداية، ثم سمح لها بسرقة المنازل في المناطق التي يستولي عليها ويهجِّر أهلها، بشكل ممنهج وتحت إشراف وحماية جيشه مباشرة، مستغلاً حاجة فقراء ومهمشي تلك الأحياء والمناطق؛ وأخذت تلك اللجان طابعا طائفياً في المناطق ذات التنوع الديني، ففي حمص ُشُكلت من علويين وشيعة، وفي وادي النصارًى من مسيحيين، وفي السويداء وجرمانا من دروز، وأخذت طابعا عشائريا في مناطق أخرى كحلب؛ استخدم النظام تلك اللجان التي أطلق عليها اسم «شبيحة» بدًايةً، في مًؤازرة جيشه عند الضرورة، وفي ممارسة انتهاكات طائفية الطابع، كارتكاب المجازر بحق مدنيين وأطفال، واغتصاب النساء، وفي تصفية المعارضين في أحيائهم، بتهجيرهم أو التسبب في اعتقالهم أو حتى قتلهم؛ وذلك من أجل صبغ المناطق الموالية له بصبغة طائفية الطابع، مما يزيد حساسيات الثوار تجاه أبناء تلك الطوائف ،ويعزز إبراز وجه طائفي للثورة.
ومع استمرار تفكك الجيش بفعل الانشقاقات المتزايدة مع تقدم الثورة، وعدم ثقة المقاتلين بقدرته على الحسم العسكري، حيث أن الجيش تحكمه العقلية البيروقراطية ويفتقد إلى المرونة، كونه يعتمد على الإجبار على الخدمة، ومراقبة العناصر من قبل المخابرات ومن قبل بعضهم البعض، بمن فيهم الموالين من ضباط ومتطوعين ومجندين، الأمر الذي دفع النظام مؤخرا إلى إنشاء جيش موازٍ له من اللجان الشعبية السابقة ومن متطوعين، غالبيتهم علويين وشيعة، ومن بًعض العشائر الموالية في حلب )آل بري(، ويضم أيضا كتائب نسائية؛ وفي الواقع ليست العقيدة الطائفية هي فقط ما يدفع هؤلاء للقتال دفاعا عن الأسدً، والتي تجعلهم يشعرون أن مصيرهم مرتبط بمصير النظام، بل أيضاً يستغل النظام حاجًة وفقر الكثيرين منهم، خاصة مع تردي الوضع المعاشي وانحسار فرص العمل ،فتجنيد هؤلاء يتم بعقد سنوي) 15000 ليرة سورية في الشهر(، الأمر الذي دفع العديد من المحتاجين والمحتاجات إلى دخل إلى التطوع فيه) .6(الدور الخليجي في تأجيج الطائفية:
النظم الحاكمة في دول الخليج العربي، حالها كباقي الأنظمة العربية، نظم مستبدة وقمعية وناهبة لثروات شعوبها، وراضخة للإرادة الإمبريالية العالمية، بل هي أسوأ أنواع الديكتاتوريات، إذ يختلط لديها الاستبداد القمعي الأمني بالاستبداد الديني والطائفي حين يلزم؛ ويعاني شعوبها أيضا، كباقي الشعوب العربية، من التهميش والنهب والإفقار وانسداد الأفق، وإن بنسب متفاوتة منًبلد إلى آخر؛ لذلك فإن لدى شعوبها من مسببات وعوامل الثورة ما لدى الشعوب العربية التي ثارت؛ وبالفعل فإن ثورًةً شعبية أطاحت برئيس في بلد جمهوري مجاور هو اليمن، وثورًةً شعبية أخرى متعاظمة تفور براكينها، في بلد خليجي آخر ذو حكم ملكي هو البحرين، على الرغم من كل المؤامرات والتعتيم الإعلامي الذي لاقته، والتدخل السافر وغير المشروع لقوات درع الجزيرة من أجل قمعها وإخمادها، هذا فضلاً عن تظاهرات اندلعت في سلطنة عمان تم إسكاتها ببعض الإصلاحات الدستورية والمعاشية، وتظاهرات أخرى تعم المناطق الشيعية المهمشة في السعودية ،ودعوات مستمرة للتظاهر في قطر؛ إذا ملكيات وإمارات الخليج ليست مستثناة من أن تثور شعوبها عليها، لذلك فهي تستعد مسبقا لإفشًال الثورات في الدول الأخرى، وإن ادعت دعمها لها، وذلك لإعطاء شعوبها نماذج بائسة عن اًلفوضى الأمنية التي تخلفها تلك الثورات، وبالتالي إخافتها منها؛ من هذا المنطلق تدعم تلك الحكومات الثورة السورية بقصد تشويهها وإفشالها، وهو نفس المنطلق الذي تقوم فيه إيران بدعم ثورة البحرين إعلاميا، أي لتشويهها وإفشالها.
فحكومة قطر تردَّد إعلامها )الجزيرة( بداية في نًقل تظاهرات الجمع السورية، عل الأسد يتمكن من إخمادها، ثم انتقلت إلى التلاعب في صفوف المعارضة، فتبنت دعم الإسلاميين فيها وإظهارهم كممثلين للثورة، وبالتالي ترسيخ فكرة الثورة السنية في وجه الأقليات والنظام العلوي؛ والسعودية دعمت النظام بالأموال حتى الشهر السادس للثورة، وكذلك ساعدته في تسويق روايته عن الثورة السنية والطائفية، عبر توجيه إعلامها الطائفي، الذي كان موجها ضد الشيعة، لتأجيج الحساسيات الطائفية في سورية؛ وربما كان ذلك النمط من الإعلام هو أكبر خدمًة تقدمها السعودية للنظام؛ وبعد عام من الثورة، وبعد انتقال الثورة إلى الكفاح المسلح، دعمت السعودية الفصائل الطائفية المتطرفة دون غيرها بالمال والسلاح والمقاتلين، كجبهة النصرة، وعمل إعلامها مع باقي الإعلام الناطق بالعربية ،إلى جانب الإعلام المؤيد للنظام، على النفخ في تلك الفصائل وتضخيمها، وإظهارها على أنها تتصدر وتقود العمليات العسكرية للجيش الحر، على الرغم من أنها ليست جزءا منه؛ فهذه الفصائل تقاتل النظام إلى جانب كتائب الجيش الحر، ولكنها تحمل عقيدة متطرفة عًدمية، وترتكب ممارسات طائفية، مما يزيد من تمسك الموالين للنظام به، ويؤخر تفكك أجهزته الأمنية والعسكرية، إذا هي تخدم النظام أكثر مما تخدم الثورة؛ أما الإمارات العربية المتحدة فلا داعي للإطالة في الحديث عًنها ،فهي تدعم النظام صراحة، ماليا وسياسيا، وهي الملاذ الآمن والمشجع للأموال المنهوبة التي تستحوز عليها الطغمة الحاكمة، وربما تسًتعد لاسًتقبال آل الأسد في حال اضطر للتخلي عن الحكم والهروب من سورية.
جبهة النصرة:
ظهر اسم جبهة النصرة بعد قرابة عام من بدء الثورة، كتنظيم تكفيري وهابي تابع للقاعدة، وأول من تحدث عنها هو النظام، متهما إياها بافتعال تفجيرات في دمشق وحلب، قال أنها «تحمل بصمات القاعدة»، والواقع أن تلك التفًجيرات كانت تحمل بصمات النظام؛ ويعتقد أن جبهة النصرة هذه نشأت نواتها في سجون النظام، من تكفيريين كان يحتجزهم، ممن كان يرسلهم بواسطة مفتيه «حسون» إلى العراق، باتفاق سعودي أمريكي إيراني ضمني، من أجل ضرب المقاومة الوطنية التي نشأت ضد الاحتلال الأمريكي، عبر تأسيس فرع لتنظيم القاعدة فيه، أولوياته هي مقاتلة الروافض والكفرة، وتطبيق الشريعة الوهابية بطريقة عنفية عدمية، مما عزّز من وجود ميليشيات طائفية شيعية قديمة، وأوجد جيشاً جديدا هو جيش المهدي، وكلها توالي إيران؛ وبالمثل عمل النظام السوري ,أثناء تواجده في لبنان، على ضرب اًلمقاومة الوطنية اليسارية، ودعم الحركات الطائفية الشيعية التي تسمي نفسها مقاومة )حركة أمل وحركة التوحيد الإسلامي وحزب الله…(، وتتذرع بمحاربة إسرائيل ،ولكنها في الوقت نفسه تخدم إسرائيل عبر ضرب الوحدة الوطنية، وتعميق حالة الاستقطاب الطائفي في لبنان، وكانت مبررا للسعودية لدعم ميليشيات وهابية سلفية بالمقابل )فتح الإسلام وجماعة الأسير…(؛ كل ذلك بمبارًكة دولية من أجل تعميق الوعي القروسطي ما قبل الوطني في كل من لبنان والعراق، ونقل الصراع السياسي إلى الديني والطائفي، وصبغه باقتتال أهلي يصعِّب ظهور حراك وطني ينهض بوعي المجتمع نحو ما هو وطني جامع.
من كل ذلك، وجب الوقوف عند تنظيم جبهة النصرة، كتنظيم وهابي تكفيري، تم تضخيمه والنفخ فيه في الأشهر الأخيرة بشكل فجائي، بداية عبر الدعم المقدم له بالمال والسلاح والمساعدات الغذائية ،مما يدفع الكثير من الثوار للالتحاق به، مع نقص العتاد والمال في الكتائب الأخرى، على الرغم من أنهم لا يدينون بفكرها وإيديولوجيتها التكفيرية؛ وكذلك عبر الدعم الإعلامي الذي بدا وكأنه يختصر الثورة بجبهة النصرة؛ وكل ذلك الدعم مقدم من قبل الدول العربية النفطية، السعودية وقطر بشكل خاص، نفس الدول المشاركة في دعم التنظيمات المتطرفة في العراق ولبنان .
إن تشكيل النظام لجيش الدفاع الوطني «الطائفي»، بدعم إيراني مباشر، في مقابل وجود جبهة النصرة الطائفية التوجه أيضا، يجعلنا ندق ناقوس الخطر تجاه رغبة خليجية أمريكية أوروبية روسية إيرانية، وكذلك هي رغبة النظًام، لجر البلاد إلى اقتتال طائفي، يطيح بأهداف الثورة، ويفك الحاضنة الشعبية عن جيشها الحر، خاصة مع السلوك القمعي الذي تمارسه جبهة النصرة، تجاه الأهالي في المناطق التي تدخلها بعد أن يحررها الجيش الحر من قبضة النظام، من قتل العلويين والشيعة، إلى جلد المخالفين بالرأي من السنة بحجة تطبيق الشريعة، وفق الإيديولوجيا الوهابية الظلامية القادمة من القرون الوسطى والتي تسكن عقول قادتها) .5(
المخططات الإمبريالية لترسيخ الطائفية:
تتصارع الدول الرأسمالية على مناطق النفوذ في العالم، لإيجاد أسواق تصريف لفائض الإنتاج الرأسمالي ،ولمنع التوسع الأفقي للتصنيع في تلك المناطق، والأهم للسيطرة على منابع النفط والطاقة في العالم؛ وهذا يتطلب ضرب كل حركات التحرر الوطنية، غير الدينية أو الطائفية بالضرورة، والتضييق عليها ،وذلك باتباع سياسة «فرق تسد»، وهي السياسة الأكثر سهولة في التطبيق في المناطق ذات التنوع الديني الواسع، كمنطقة الشرق الأوسط ومنها سورية .
وبدورها إسرائيل، الدولة العنصرية المدعومة من الإمبريالية العالمية، أكثر ما يدعمها ويتلاءم مع تركيبتها الدينية العنصرية، هو تفتيت المنطقة على أسس هوياتية طائفية ما قبل وطنية؛ فهي تزعجها الصواريخ العشوائية التي يطلقها كل من حزب الله في جنوب لبنان وحماس في غزة، وتهدد أمنها، ولكنها لا تهدد وجودها؛ فتلك الحركات الإسلامية الطائفية، تعزز استمرار كيان يهودي عنصري في المنطقة، حين تكرس الانقسامات الهوياتية الداخلية في الدول المحيطة بها.
لذلك فإن الدول الإمبريالية تدعم كل ما يعزز الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية؛ فبعضها يدعم النظام مباشرة، وبعضها الآخر يتفرج على جرائمه ضد المدنيين، كما أنها جميعا تتفرج، راضية ومباركِةً، على تصاعد التنظيمات التكفيرية الملحقة بالثورة )جبهة النصرة…(، وتجد فيًها ذريعة أمام شعوبها لاستمرار دعمها واعترافها بالنظام؛ فكل ذلك يرسخ النظرة الغربية لشعوب المنطقة، بأنها مكونة من طوائف متناحرة عدمية تريد أن تفني بعضها بعضا، وأن ما يجري في سورية هو اقتتال أهلي يستوجب إنهاؤُه الجلوسَ إلى طاولة تفاوض لإنتاج قانوًن محاصصة طائفية؛ وهذه كانت مهمة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، مهندس اتفاق الطائف في لبنان؛ فجميع تصريحاته التي تحذر من اقتتال طائفي سيحدث بعد رحيل الأسد تصب في هذا السياق؛ وهو السياق ذاته الذي تدور فيه تصريحات المسؤولين الروس عن ضرورة حماية الأقليات من تهديد الأكثرية السنية، وكذلك توصيات المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين لأطياف المعارضة السورية المتشكلة أثناء الثورة بمراعاة التمثيل الكافي للأقليات)6(. ويأتي كل ذلك في سياق التآمر الدولي على شعوب المنطقة كلية، من اتفاق الطائف في لبنان إلى تقسيم العراق على أسس مذهبية بعد احتلاله، إلى تعزيز الانقسام الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي…، إلى الترويج لتقبل التمثيل الطائفي في النظام المقبل في سورية، وكل ذلك من أجل التطبيع مع عنصرية الكيان الإسرائيلي، وتحقيق التبعية السياسية والاقتصادية لدول المنطقة، واستمرار السيطرة على منابع النفط فيها.
المعارضة السورية والطائفية:
لم تكن المعارضة السورية المكرسة قريبة من هموم الشعب السوري يوماً، ولا فاهمة لمشكلاته ،فهي ناضلت ضد النظام وثارت عليه ودخلت سجونه، في أوقات لم يكن الشعب فيها في حالة ثورة ،وتفاجأت بالثورة ولم تكن مستعدة لها على الإطلاق، ولم تكن مستعدة لفهم أسبابها ومشكلاتها العالقة، ولا لفهم الظرف الدولي الذي أتت فيه، وبالتالي لم تكن قادرة على تمثيلها والتعبير عنها.
هذا الفهم الخاطئ لمشكلات الثورة، أدى إلى حلول خاطئة لها؛ ومنها مشكلة الموالين للنظام والمتخوفين من الثورة والمترددين في الانخراط بها، ومنها كذلك تصاعد الحساسيات الطائفية في بعض المناطق، الناتج عن الحل العسكري الذي اتبعه النظام، وعن تأجيجه للطائفية، وعن الدعم الدولي الذي يحظى به؛ حيث انقسمت رؤية المعارضة السورية للحلول إلى قسمين رئيسيين:
الأول يهرب من المشكلات، بتفادي الثورة والتخويف منها، بدلاً من الانخراط بها وحل إشكالاتها ،عبر طرح حلول لا عنفية عن إمكانية انتقال آمن للسلطة، وهذه الحلول غير ممكنة في سورية، إذ لم يحدث في التاريخ أن تخلت النخب المسيطرة عن الحكم طواعية؛ وهذا الطيف يشمل معارضة الداخل )هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة وحركة معا…(، والتي ربما بعضها اتخذ موقفه هذا بحسن نية، ولكن أيضا لضعف استيعابه لمجريات الثورة، ورًبما بعضها الآخر يريد حصة في أي نظام جديد ،ويراهن على تمثًيل الأقليات المتخوفة من الثورة والأكراد والشرائح التي تميل إلى العلمانية في مواجهة التخوف من التيارات الإسلامية، وذلك عبر مخاطبة تلك الشرائح بخطاب حقوقي براق، ولا سياسي ،يدين الثورة برمتها من زاوية ضيقة هي التركيز على أخطاء العسكرة التي أجبرت الثورة عليها ،وتضخيمها بدلاً العمل على تصحيحها، الأمر الذي يعمق الانقسامات العمودية في المجتمع، بدلاً رأبها والحد منها.
والقسم الثاني من المعارضة، والمتمثلة بشكل رئيسي بالمجلس الوطني والائتلاف الوطني، لا يرى من الثورة غير انتهاكات النظام وجرائمه، ولا يجد الحل إلا باستجداء تدخلات أجنبية تسقط النظام ،وبالتالي هؤلاء يقبلون مسبقا بشروط الدول الداعمة لهم، ومنها قيام تلك المجالس على أساس التمثيل الطائفي؛ ولا تقتصر المًشكلة على ذلك، فتلك المجالس يسيطر عليها تيارات الإسلام السياسي ،كونهم الأكثر تنظيما ويحظون بالدعم المالي والسياسي والإعلامي من كل من السعودية وقطر، وبذلك تبدو التيارات الليبرًالية في تلك المجالس ضعيفة ومفلسة من أي برامج سياسية، وبالتالي ملحقة بالإسلاميين، ومن الطبيعي أن تتطبع بطابعهم الطائفي؛ حيث يبدو خطاب أعضاء تلك الهيئات ،خاصة المجلس الوطني، خطابا طائفيا بحتا، فيه تهديد للأقليات الدينية والعرقية، وبالتالي بقية الشعب السوري الذي لم ينخرطً في الثوًرة، بطًروحاته المتطرفة إلى أبعد الحدود، بدءا من الدعوات المتكررة إلى تدخل عسكري، إلى طلب التسليح من دول تدعم الفكر الطائفي، كالخليًج العربي، إلى الدفاع عن جبهة النصرة، ذات التوجه التكفيري، بدلاً من العمل على تحييدها، إلى تهديد العلويين مراراً* لكسب شعبية زائفة في البيئات التي تتعرض لانتهاكات طائفية يدفع إليها النظام.
وأخيرا تبرز ظاهرة البيانات والمؤتمرات الطائفية**، التي يقوم بها معارضون ومثقفون ينتمون إلى أقلياتً دينية، أفلسوا من القدرة على صياغة برامج سياسية وطنية، واتجهوا إلى البحث عن شعبوية طائفية، في خلط مقصود أو جاهل لمشكلة الحساسيات الطائفية، بين السياسي والثقافي، ما يعمق المشكلة بدلاً من أن يحلها؛ وذلك بمباركة من التيارات الإسلامية التي تدعي وفق منطقها الطائفي تمثيل الغالبية السنية، وتحتاج لدعم هذا المنطق إلى وجود ممثلين لبقية الطوائف.
حلول المشكلات الطائفية:
يمكن تلخيص الحل الجذري للتخفيف من الحساسيات الطائفية بما يلي:
1- نبذ المعارضة المكرسة، وعدم الاعتماد عليها في تمثيل الشعب السوري، وبدلاً منها تشكيل هيئات ومجالس محلية مدنية الطابع ومستقلة سياسيا وإداريا وماليا، تعبر عن الثورة في مناطقها، وتتبع لها كتائب الجيش الحر، وتقوم بحماية الأمن فيً مناطقهًا ومنعً الانتقامات الطائفية، وتعمل على إغلاق ملف المخطوفين على أسس طائفية، وتعتقل كل من يمارس عنفا طائفياً، وتقدمه للمحاكمة.
2- نبذ جبهة النصرة، التي تريد بناء دولة خلافة إسلامية، وتحييدها عنً بقية كتائب الجيش الحر ،وإدانة ممارساتها الطائفية العدمية، مع احترام حقها في ممارسة العمل السياسي المدني، وحريتها في الدعوة، وفي نشر فكرها بأسلوب لا عنفي.
2- بلورة مطالب قوى الثورة في إنشاء دولة مدنية عَلمانية في الدستور القادم، لا إسلامية ولا طائفية ،تكرس مبدأ المواطنة وتحترم حرية الفرد في الاعتقاد، وتقدس الحريات الثقافية.
3- العمل على تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، ومحاكمة المجرمين واللصوص أيا كان انتماؤهم الديني، عن طريق القضاء، وفقاً لقانون العقوبات السوري المعمول به، وليس وفقًاً لأهواء بعض الكتائب المتطرفة.
4- وضع خطة لعودة المهجرين، وتعويض ضحايا الثورة وأسر الشهداء، سواء كانوا مع الثورة، أم كانوا مؤيدين للنظام أو مقاتلين في جيشه.
5- إن وضع برنامج اقتصادي واضح من أجل تحسين الوضع المعاشي للمواطنين، وحل مشكلة الفقر والبطالة المتفاقمة، هو شرط أساسي لتأمين استقرار المجتمع؛ ففي البيئات الفقيرة تنتشر بشدة الجرائم والمخدرات وتجارة الأعضاء وتجارة الجنس، وترتفع حدة العصبيات الدينية إلى أقصاها.
الخاتمة:
يرى غرامتشي أن المشكلات السياسية تصبح غير قابلة للحل حين تتنكر بزي مشكلات ثقافية)7(؛ والمشكلات الطائفية في سورية، حسب مجمل ما سبق، تتمثل في الحساسيات الدينية بين بعضٍ من
أفراد المجتمع السوري، وليس كله، وبدرجات متأرجحة وليست ثابتة، تبعا لدرجة العنف الذي يمارس على الشعب، وبالتالي هي بالأصل مشكلات ثقافية اجتماعية ناتجة عًن التنوع الديني في سورية، وليست مشكلات سياسية، والحل السياسي لها لا يفضي إلى حلها، بل إلى تعميقها )لبنان مثالاً(؛ وبالتالي التعامل مع الحوادث الطائفية المحتملة على أنها مشكلات محلية مناطقية، تحل في بيئاتها المحلية، ويحاسب المنتهكون أيا كانوا.
إن المؤامرات التي تنسج للتعامل مع مًا يجري في سورية على أنه اقتتال أهلي طائفي، وليس ثورة شعب يريد تفكيك السلطة وإسقاطها، والترويج الإعلامي المكثف لتلك النظرة، يهدف إلى إحداث حالة من اليأس والقنوط لدى الشعب السوري، بحيث يتقبل ثقافة التمثيل الطائفي التي يروج لها ،الأمر الذي يعمق سياسة الهوية الدينية والثقافية، ويحول بينها وبين نشوء قوى مجتمعية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، عبر المشاركة الشعبية في السلطة القادمة، وفي قراراتها، وبالتالي تضيع البوصلة للثورة الشعبية وتتبدد.