دمشق-العدد 4-5-نجيب جورج عوض
رسالة إلى أهلي المسيحيين مسيحيو سوريا والسؤال حول دورهم المستقبلي
منذ أكثر من سنة أردت أن أكتب مقالاً حول السؤال عن دور المسيحيين السوريين في مستقبل سوريا. إلا أنني امتنعت عن ذلك، وقمت بتأجيله مرارا. سبق لي خلال العامين ونصف المنصرمين أن كتبت عدة مقالات دورية عن الأزمة السورية وإرهاصاتهًا المختلفة، وقد نشرت ضمنها مقالات تناولت مواقف المسيحيين السوريين من الأزمة، ومخاوفهم من مرحلة ما بعد – الثورة وإعادة بناء النظام السياسي. أجد اليوم أنَّ الوقت قد حان للتطرق إلى مسألة دور المسيحيين السوريين في سوريا المستقبلية، خاصة وأنني دُعيت للمشاركة في مؤتمرات عدة وتقديم محاضرات في أماكن مختلفة في أوروبا وأمريكا للحديث عن هذا الموضوع خلال السنة ونصف السنة الماضية. ولطالما طرح الحضور هذا السؤال على مسامعي، وجعلوني أدرك أنه سؤال محوري بالنسبة للرأي العام الغربي. إلا أنني اليوم أعتقد أنه بات سؤالاً ملحاً يواجه، بل ويتحدى، الرأي العام المسيحي السوري قبل غيره من شرائح الطيف السوسيولوجي الواسع في الساحة العامة السورية. فبعدما انهمك المسيحيون السوريون في الوقوف مع أحد أطراف النزاع السوري، قبل أن يغرقوا لاحقا في مستنقع الانهماك بالتعامل مع التداعيات والنتائج الكارثية لتحول الثورة إلى حرب شوارع ومدن مًدمرة ودموية، مركزين كل تفكيرهم على النجاة من المأساة بكل الوسائل والسبل، المسيحية منها وغير المسيحية، والأخلاقية منها أو غير الأخلاقية، ها هم اليوم يجدون أنفسهم، في توقيتٍ لم يختاروه أصلاً، وفي ظروف لم يتمنوا أن يختبروا ولا حتى عشرها في حياتهم، أمام واقع أن سوريا تتجه، آجلاً أم عاجلاً، نحو تبدلات بنيوية وراديكالية دولتية ومجتمعية ومدنية وسياسية، وحتى تشريعية، وأنَّ عليهم أن يفكروا بالدور الذي عليهم لعبه في الساحة السورية، سواء أرادت باقي أطياف المجتمع السوري لهم لعب دور، أو لم ترد ذلك، وسواء تصوروا هم أنفسهم أنَّ لهم دور أم لا.
أي دورٍ للمسيحيين السوريين في المستقبل وما طبيعة هذا الدور؟ هذا السؤال بات مسألة «وجود أو لا وجود» للمسيحيين في سوريا لا محالة .
إنني مقتنع أن الشروع بتقصي ملامح الدور المستقبلي يجب أن يبدأ من تفكيك المخيال الفكري للمسيحيين السوريين، عن حياتهم ووضعهم العام في ظل النظام البعثي والحكم الأسدي خلال الأربعين سنة الماضية. تفكيك هذا المخيال شرط ضروري، بل ولازم، كي ندرك بعض مكونات ما يجب أن نحذِّر الشارع المسيحي السوري من الوقوع فيه حين يمكن أن يبدأ بلعب دور في المستقبل. من هنا فإنَّ نقطة انطلاق تحليلي لمسألة الدور ستعود بنا قليلاً، وباختصار شديد، إلى افتراض مسيحي شعبي شائع وروتيني لطالما ردده العديد من المسيحيين السوريين أمام أهل البلاد العربية المجاورة، وأهل البلاد الغربية والأجنبية حول العالم. هذا الافتراض يقول: «في عهد حكم البعث/الأسد، تمتعنا نحن المسيحيين بالحرية الدينية، إذ لم نتعرض لأي اضطهاد ديني، بل مارسنا شعائرنا الدينية من دون تدخل من أحد ومن دون أن نتعرض لأي قمع أو تهديد وجودي من المسلمين. كل هذا بفضل نظام الأسد العلماني، حامي الأقليات.» منَ منا لا يعلم أن هذا الادعاء لطالما تردد على ألسنة غالبية القيادات الدينية والمدنية المسيحية، ناهيك عن الكثير من الأفراد. منَ مِن المغتربين السوريين لم يسمع )إن لم يردد هو أوهي بنفسيهما( الكثير من الغربيين يكررون الأسطورة نفسها نقلاً عن سوري مسيحي ما قابلوه أو عرفوه؟، وبرأيي أن هذه الأسطورة المذكورة لم تمنع فقط المسيحيين من لعب أي دورٍ فاعلٍ ومثمرٍ وبناءٍ في المجتمع والدولة السوريين في العقود الماضية لوحدها، بل إنَّ الأسطورة نفسها ستتحول، إذا ما واظب المسيحيون على تبنيها من دون تحليل وتمحيص علميين وعقلانيين، إلى أحد أهم المعوقات أمام لعبهم دورا، أي دور كان، بنّاء وفاعل وملموس في مستقبل سوريا القادم. السبب في قولي هذا هو أنَّ ما يـُبنى علًى افتراض خاطئ ومخيال غير حقيقي لا يـُنجب سوى خلاصات خاطئة ،ولا يفرز سوى مواقف عقيمة، لا بل ويعيق عملية اتخاذ أي موقف من حيث المبدأ .
دعوني الآن أفصِّل قليلاً في أسباب اعتباري للادعاء السابق بأنه وهمي وغير حقيقي. أولاً، من المخطئ أن نقول أنَّ النظام الأسدي/البعثي كان نظاما «علمانيا» لمجرد أنه نظام ينطلق من إيديولوجية قومية )العروبوية( ومن براغما جمعية شمولية تتقًصد تهميًش الدين )مع أنها تشجع على، بل ولا تسمح للمواطنين بممارسة أي شيء آخر في الساحة العامة سوى، التدينُّ، وتعمل على توظيف الدين دون سواه في الفوز بطاعة وولاء الشعب( والتشديد على وحدة الناس كأمة )أمة عربية واحدة(. لا تسمح المساحة الصغيرة لهذه المقالة بالاستطراد حول هذه النقطة. إلا أنَّ المطلَّع على البحوث العلمية والتاريخية والتحليلية المعرفية لمفهوم «العلمنة/العلمانية» سيدرك بسهولة أن العلمانية لم تطُبَّق أبدا في سوريا، ولم تمُارس فعليا على الأرض، حتى هذه اللحظة )لهذا، من الغباء بمكان نبذ العلمانية ورفضًها في العالم العربي الجديًد من دون معرفتها أولاً. نحن اليوم نخاف ونرفض ما لا نعرفه في الواقع(. من هنا فإنَّ القول بأنَّ نظام الأسد، الطائفي والإقصائي والأحادي والتدجيني )الصفات المناقضة لمبادئ العلمنة: المدنية، التعددية، التشاركية، والحرية( نظام «علماني» كلام غير دقيق علمياً ولا هو بالحقيقي تاريخياً وممارسةً في سوريا.
ثانيا، وهو الأهم، القول بأنَّ المسيحيين لم يتعرضوا للاضطهاد الديني في عهد نظام الأسد لا يعني مباشًرًةً أو أوتوماتيكيا أنهم تمتعوا بالحرية الدينية: غياب الاضطهاد الديني لا يثبت بداهةً ولا يقود مباشرًةً إلى التأكيد علًى وجود حرية دينية. غياب الاضطهاد لا يفيد بالضرورة وجود الحرية وتوفرها ،لا بل قد يكون انعدام الحرية الدينية هو الثمن الذي على الجماعة الدينية أن تدفعه في مقابل حماية الطرف الحاكم لها من الاضطهاد الديني: الحماية من الاضطهاد أداة للتدجين والتطويع، وفي النهاية القصوى وسيلة للتهميش والتحييد. هذا ما عاشه المسيحيون في الحقيقة خلال الحكم الأسدي /البعثي. نعم لم يكن المسيحيون مضطهدين دينيا، إلا أنهم لم ينالوا أي حرية دينية، أو أي حرية أخرى، في الحقيقة. كل مسيحي ملتزم بالكنيسة وبًالممارسة الدينية يعلم تماما أن الغالبية الساحقة من رجال الدين المسيحيين، خاصة القيادات الكنسية العليا، لطالما وجدت نفسًها مجبرة على عقد شبكة علاقات واسعة ومتشعبة، قوامها التبعية والطاعة وتنفيذ الأوامر والأجندات، مع أجهزة مخابرات النظام وقوى الأمن وأصحاب القرار في عهد الأسد الأب والابن على حد سواء. كل المسيحيين يعلمون بهذه العلاقات )والتي وصل بعضها إلى درجة التحالف المصالحي في بعض الأحيان( ويعلمون أن رجال الدين المسيحيين كانوا مجبرين على الالتزام بها والخضوع لاشتراطاتها ومتطلباتها، في نوع من التبعية وإثبات الطاعة المنافية لأي حرية )ولهذا، فقد درج المسيحيون على عدم الثقة بكهنتهم، بل وبانتقادهم ووصفهم بأقذع الصفات مرارا(. أضف إلى هذا، كل عابد مسيحي اعتاد على الذهاب إلى الكنيسة للصلاة، خلال عهد الحكم الأسديً، يعلم أنه على كل كاهن أو واعظ أو معلم ديني )ينسحب الأمر على المؤسسة الدينية الإسلامية أيضا( أن يقدم نسخة أو تقريرا عن تعليمه أو عظته أو دروسه الدينية لرجالات الأمن وعناصر المخابرات، اًلذين لطالما كنا نراهم يجلسًون على أحد مقاعد دار العبادة يلتقطون كل كلمة يقولها أي شخص داخل الكنيسة، ويحصون على العابدين أنفاسهم وكلماتهم. لم يكن هناك حرية دينية على الإطلاق في سوريا البعث/الأسد، بل كان هناك إيحاء دائم بإمكانية تعرض أي مسيحي لاضطهاد مستطير حده الأقصى الموت، وحده الأدنى القمع والسجون والترهيب وخنق فرص العيش الكريم المنظمة، إذا ما فكر أحد المسيحيين بأن يعبِّر في الكنيسة عن رأي حر يتعلق بالشأن العام. بكلمات أخرى، مقابل حماية المسيحيين من اضطهاد ديني ما من طرف ما غير مسيحي، أجبر المسيحيون، أسوة بأخوتهم المسلمين أيضاً، على التنازل عن حريتهم الدينية والمدنية، وفرُضَ عليهم التخلي عن لعب أي دور حر، مدني حقيقي وفاعل في الحياة المدنية العامة .
ثمن الحماية من الاضطهاد كان الخروج من الحياة العامة، والانزواء داخل دار العبادة، والتخلي عن لعب أي دور فكري أو مدني أو دولتي نقدي، حر وإصلاحي عام .
ما أريد تبيانه من خلال تسليط الضوء على ذينك الجانبين الخاطئين في الادعاء التقليدي الشائع بين مسيحي سوريا، عن وضعهم المدني خلال عهد البعث/الأسد هو ما يلي: إن استمر مسيحيو سوريا بالكذب على أنفسهم وعلى العالم أجمع، وواظبوا على التوهُّم بأنَّ حياتهم في عهد النظام القمعي الفاسد هي الحياة المثلى التي يعيشون هاجس فقدانها، ولهذا يريدون التمسك بها، فإنَّ هذا التمسك بما فيه من أخطاء لن يدفعهم للعب أي دور حقيقي وفاعل في المستقبل السوري القادم، بل سيكون دورهم مجرد تعبير انفعالي نكوصي سلبي، بل ومدمِّر لهم، ناتجٍ عن شعورهم بفقدان حالة وجودية عاشوها في عهد النظام الأسدي وقد أقنعوا أنفسهم واهمين ومخطئين بأنها أفضل حالة يمكن للمسيحيين أن يوجدوا فيها في سوريا )إن لم يكن العالم العربي( أو أن يكونوا فيها جزءاً من الكيان السوري. باختصار، الانطلاق من تفسير وتوصيف خاطئين وغير حقيقيين لحالة الوجود الماضية، تؤدي ،منطقيا واستقرائيا، إلى اتخاذ مواقف خاطئة وسلبية ومدمرة تجاه المستقبل .
إن استمًر المسيحيًون السوريون في الاعتقاد بأنَّ الوقاية من الاضطهاد تستحق التضحية بالحرية الدينية ،بل والحرية عموما، وأنَّ تأمين النجاة أهم من لعب دور، فإنهم في سوريا المستقبل سيكررون موقفهم نفسه في عهد النظًام الأسدي، وستراهم، انطلاقا من نفس الهوس بالسلامة، يتمسحون مرة أخرى بمنظومة السلطة الجديدة، وسيبنون علاقات تحالف ومًراضاة وخنوع جديدة مع أصحاب القرار فيها، مضحّين في المقابل بحقهم البشري والمدني والدولتي الأساسي بالحرية، بكافة أنواعها وأشكالها، ومستمرين في انزوائهم وتقوقعهم داخل صومعة الحياة الكنسية والدينية-الاجتماعية الضيقة والانعزالية: الهوس بالنجاة ودرء الخطر سيتغلب على الرغبة بالوجود الحر والمشاركة الفاعلة. وكلما تنامى عند المسيحيين إحساس الخوف من الاضطهاد وإمكانية حدوثه، بسبب غياب حالة الأمان الوهمية التي عاشوا في كنفها لعقود سابقة، كلما تضاعف عندهم اطرادا هاجس الخوف من الآخر وهوس الانكماش على الذات، مما سيؤدي إلى حالة من الأصولية المسيحية الًانعزالية، قوامها حنين إلى حالة وهمية ماضوية من الحماية من اضطهاد مُتخيَّل، ووقودها قناعة لا تقل وهمية بأن الدور الوحيد المتاح للمسيحيين في عالمهم السوري هو أن يتوخوا الحماية، لا أن يقاتلوا لأجل الحرية وأن يبادروا إلى لعب دور من المنتظر، ومن حقهم أن يلعبوه .
من جهة أخرى، إن استمر المسيحيون السوريون في الاعتقاد بأنَّ الوقاية من الاضطهاد تستحق التضحية بالحرية وأنَّ تأمين النجاة أهم من لعب دور، فإنهم في سوريا المستقبل سيكررون خطأهم نفسه خلال عهد النظام البعثي المتمثل في مد اليد للتحالف مع دوائر صنع القرار ومراكز السلطة، بدل أن يلتفتوا إلى الشارع العام ويبنوا جسور تواصل وشراكة حقيقية فاعلة ومدنية وعملانية مع باقي أطياف وشرائح وجماعات المجتمع، ومع الساحة العامة السورية بكل مكوناتها الشعبية. أثناء عهد الأسد، اكتفت القيادات المسيحية السورية الروحية والزمنية، على حد سواء، بنسج علاقات مصالح مشتركة وعلاقات «حماية-طاعة» و «تسامح-ولاء» مع النظام الحاكم ومراكز السلطة وأجهزتها الأمنية. فعلت هذا، بدل أن تعيد بناء شبكة علاقات مدنية حرة وتفاعلية وسوسيولوجية حقيقية مع الشعب والشارع وباقي أفراد المجتمع السوري، من منطلق التشارك في وحدة الحال والمعاناة من منظومة القمع والاضطهاد نفسها ،والمعاناة من سياسة مقايضة الحماية بالولاء والتسامح والتنازل عن الحريات نفسها .
إن كان مسيحيو سوريا سينطلقون في نظرتهم لسوريا المستقبل من زاوية الخوف من عقدة الاضطهاد ،وزاوية الإيمان الخاطئ بالأسطورة الوهمية التي أشرت إليها آنفا، فهم عندها سيقصرون، مستقبلاً ،عن بناء علاقة تواصل وتفاعل وبنيان حقيقية مع الشارع السوري اًلعام، كما قصروا عن فعل ذلك في الماضي، وستراهم يعيدون إنتاج خيار التمسح بالسلطة وتفضيل الانفتاح عليها، على الانفتاح على الشارع وهم جزء منه .
أي دور لمسيحي سوريا في المستقبل؟ الجواب عن هذا السؤال يحدده، كما حاولت أن أناقش هنا ،المخيال الذي يحمله مسيحيو سوريا عن حياتهم في الماضي، وما إذا كانوا مستعدين لتفكيكه وإعادة تقييمه أم لا. إن كانوا مستعدين لفعل ذلك، فلسوف يكتشفون بأنفسهم أن ادعاءهم بأن النظام البعثي/الأسدي كان نظاماً علمانيا حمى المسيحيين من الاضطهاد الديني وأعطاهم حريتهم الدينية، ما هو إلا وهم غير حقيقي، ولم يكنً واقعيا يوما ما في سوريا الأسد. ولسوف ينطلقون عندها من عملية النقد والتفكيك تلك، ويؤسسوا عليها موقًفا مغًايرا، تماما، يجعلهم يلعبون دورا فاعلاً وبنّاءا يحمل كل ملامح الحرية )خاصة الحرية من الافتراضاتً الخاطًئة وعًقد الخوف والهوس بالًأمان والنجاةً( والانفتاح على الشارع السوري لا على مراكز السلطة؛ على أبناء وبنات المجتمع السوري، لا على صناع القرار فقط .أما إذا رفض المسيحيون مجرد إعادة تقييم قراءتهم لواقعهم في عهد النظام الأسدي، فلن يكون هناك أي تغيير بنيوي ملموس في آلية عيشهم وطبيعة حضورهم في المجتمع السوري في المستقبل. ما سينتج عن هذا هو تمسك أعمى بالهوية الدينية يشبه تماما الأصولية المسيحية القائمة على التشكيك بالآخر، وعقدة الأقليات، والتورط في صراعات قوى ومذهبياتً نراه اليوم متمثلاً في الدرك الأصولي الذي تنحدر إليه المسيحية اللبنانية )العونية تحديدا(. ما سينتج عن هذا، كذلك، إمعانٌ في الانعزال والتقوقع والبحث عن مخرج آمن من الوطن، مما سيفرغً الشرق من أهله الأصليين بأيدي أهله الأصليين أنفسهم ،وليس بالضرورة بأيدي من يعتقد المسيحيون، في خضم غرقهم المريض في بحر عقدة الأقليات وبعبع الذمية، أنهم مصدر خطر وليسوا شركاء في الوطن.
في مقالات عدة سابقة، وجهت نداءات للمسلمين السوريين كي يمدوا يدهم لأخوتهم المسيحيين في الوطن، ويرسلوا لهم رسالة تطمين وأخوّة في الوطن، ويدعونهم للمشاركة معهم في تحرير سوريا والانتقال إلى بنائها وطنا جديدا ونهائيا لجميع أبنائه. اليوم، أوجّه رسالة إلى إخوتي وأخواتي، إلى أهلي المسيحيين السوريين، بأًنَّ عليهًم أن يجًدوا أنفسهم للعب دور في سوريا المستقبل، لا أن ينتظروا أن يقدم لهم أحدٌ ما الفرصة للعب هذا الدور. أدعوهم لكي نفكر معا في ماهية هذا الدور وطبيعته ،والذي يفترض بنا من منطلق الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني أنً نلعبه في مستقبل بلدنا سوريا ،وأن نقوم بهذا انطلاقا من إعادة تقييم وتفنيد صريحة وشجاعة وعقلانية ونقدية مفتوحة للتصور التقليدي الذي حملناه أًثناء عيشنا خلال العقود الأربعة الماضية، والتي جعلتنا نتوهم أنَّ ضمانة وجودنا هي في بقاء نظام مثل نظام البعث الأسدي الذي، لطالما توهمنا، بأنه نظام علماني، وبأنه ضمن لنا حريتـنا الدينية، لمجرد أننا في عهده لم نتعرض للاضطهاد. إنني أدعو أهلي، مسيحيي سوريا، للتحلي بالشجاعة والعمل على فحص وتفكيك وإعادة تقييم حقائقية لتلك النظرية كيما نتأكد من أننا لا نبني استشرافنا للمستقبل على فرضيات ومخيالات غير صحيحة ووهمية عن الماضي. البداية الخاطئة تودي دوماً إلى نتائج خاطئة، ومصيرنا المستقبلي سترسمه تصوراتـنا الحقيقية عن حياتنا الماضوية