برهان غليون
التفاوض، العدالة الانتقالية، الديمقراطية الموقف الغربي، وتحديات اللحظة الراهنة
ليس هناك نظم تتداخل في تكوينها العوامل الداخلية وعوامل الجيوسياسة الإقليمية
والدولية كالنظم العربية. وربما كان النموذج الأكمل لهذا التداخل النظام السوري نفسه الذي يجمع بين أسوأ أنواع الاستبداد والقطيعة بين الشعب والنخبة الحاكمة من جهة والاستفادة من العوامل الجيوسياسية بل اللعب على جيوسياسية الحرب الباردة المستمرة في الشرق الأوسط من دون انقطاع منذ الحرب العالمية الثانية .
وهذا هو الذي يفسر تأخر دولنا عن الدخول في موجة التحولات الديمقراطية التي عرفها العالم بعد زوال الحرب الباردة وانهيار جدار برلين في العديد من مناطق العالم من أوربة الشرقية إلى أسيا الوسطى إلى أفريقيا وراء الصحراء .
وما كان لثورات الربيع العربي أن تتفجر لولا الضغوط القوية المتضافرة السياسية والاقتصادية والاجتماية والثقافية )العداء للإسلام والثقافة الإسلامية في الغرب والعالم(، والتي دفعت الشعوب في النهاية إلى الانفجار في تونس ومصر وليبيا واليمن .
وقد أمكن لهذه الثورات أن تنتصر بسرعة لأن الغرب الذي تنتمي هذه النظم إلى منطقة نفوذه قبل، بعد ان تأكد من أنه لا سبيل لكسر موجة الاحتجاج الشعبي، بأن يضحي برأس النظم من أجل الحفاظ على النظم نفسها، مع تعديلات تكفل المشاركة الشعبية، طالما ضمنت الدول احترام التزاماتها الدولية والإقليمية الأساسية، وفي ما يتعلق بمصر مثلا عدم التخلي عن اتفاقيات كمب ديفيد .
وبالمقابل لم يقبل الروس، الذين يقع النظام السوري في محور نفوذهم المعتمد أساسا على إيران ،بأي تغيير، خوفا من أن يشكل ذلك انتقالا لسورية إلى محور النفوذ الآخر وتهديد القسمة الراهنة لمناطق النفوذ. وسعوا من خلال دعم النظام وتمكينه من كسر موجة الثورة والاحتجاج، إلى استخدام الأزمة السورية من أجل أن تفرض على الغرب احترام نظام الحرب الباردة أو نظام تقاسم مناطقالنفوذ في الشرق الأوسط.، وهم في منطق دفاعهم عن مواقعهم يعيدون حجج الحرب الباردة ويستخدمون مفرداتها التقليدية من فكرة المؤامرة الخارجية لوصف الثورة أو الإرهاب أو سيادة الدول في ما وراء سيادة الشعوب وحقوقها .
وقد التقت إرادة موسكو في استخدام الأزمة السورية للحفاظ على دورها الإقليمي، واستعادة جزء من دورها كقطب شريك للغرب في السياسة الدولية، مع إرادة الدول الغربية في استغلال الوضع ذاته لإعادة تعريف الدور الإقليمي لسورية سواء في ما يتعلق بتحالفاتها مع إيران أو بشكل أكثر بمركزها الاستراتيجي تجاه اسرائيل، ليمدد في أجل الحرب ويزيدها عنفا. فكما تحاول روسيا من خلال الدعم الذي تقدمه للنظام السوري أن تقنع الغرب بأنه لا مستقبل لسورية والمشرق من دون التعاون معها ورعاية مصالحها في المنطقة، تسعى الولايات المتحدة من خلال تمديد القتال إلى أن تخرج سورية من المعركة مهيضة الجناح غير قادرة على أن تشكل أي تحد لإسرائيل، أو لأي دولة أخرى إلى مستقبل منظور. وهو ما قامت به من قبل في العراق أيضا .
والحال لن تربح روسيا الرهان لأن سقوط النظام، حتى لو لم يتحقق بالضربة القاضية، واضطررنا إلى إنتقال ديمقراطي بدمج ما تبقى من النظام، فلن يكون لإيران، الحليفة الرئيسية لروسيا في الشرق الأوسط اليوم في صراعها مع الغرب، أي حظ من النجاح في الإبقاء على علاقات استراتيجية مع سورية الديمقراطية. أما الغرب والولايات المتحدة التي عملت قصدا على إطالة أجل النزاع فهي تجد سياستها منذ الآن في مأزق، مع تنامي تيارات الجهاد المعادية لها، أو احتمالات الفوضى والانقسام الذين لا يمكن ضبطهما. ويهدد تأخيرها الطويل للحل على حساب دماء الشعب السوري، ثم سعيها إلى دفع المقاتلين السوريين إلى مواجهة بعضهم البعض باسم محاربة الارهاب، الصورة التي كانت الولايات المتحدة تسعى إلى ترويجها كصديقة للشعب السوري وداعمة لمسيرة تحوله الديمقراطية ،ومن وراء ذلك نفوذها، ليس في سورية وحسب، ولكن في الشرق العربي بأكمله .
وبالمقابل سوف تعزز ثورة الحرية والكرامة العربية، بمقدار ما ستمكن الشعوب من قرارها الوطني ،حركة التفاهم والتعاون والتفاعل بين الشعوب والدول العربية، وتفتح الطريق إلى إعادة صوغ النظام الإقليمي بما يزيد من استقلاليته وسيادة دوله تجاه النزاعات وإرادة تقاسم النفوذ فيه من قبل الدول الكبرى. وكما كان من غير الممكن استمرار نظام الاسد البدائي والهمجي من دون التغطية الإقليمية والدولية، أي من دون البيئة الجيوسياسية للحرب الباردة المحافظ عليها في المنطقة، سيكون لتحرر سورية من نظامها الديكتاتوري، وامتلاك الشعب لحق تقرير مصيره بالفعل، أثرا مباشرا على تعديل خريطة القوى والتوازنات الإقليمية، وفي ما وراء ذلك على أمل شعوب العالم أجمع في أن تكون نهاية النظام الهمجي السوري القائم درسا لجميع الديكتاتوريات التي لا تزال تعتقد أنها قادرة، ببث الخوف والذعر والإرهاب، على البقاء ضد إرادة الشعوب وبالرغم منه
الاتحاد من أجل الحرية
نجح نظام العبودية والاستبداد، من خلال تقسيم أبناء الشعب السوري وتشجيع البعض على البعض الآخر، إلى أزمة ثقة عميقة بين أبناء الشعب السوري الواحد في شمال البلاد، زاد من حدتها نفخ بعض التيارات المتطرفة في نار القومية الضيقة وتهييج المشاعر وتغذية المخاوف لدى الأطراف المختلفة العربية والكردية. ويكاد يشعل أوار حرب جهوية تهدد بتحويل المنطقة إلى مسرح تنفيس لنزاعات القوى الإقليمية على حساب الشعب السوري ومستقبله .
إن استمرار الحرب الدائرة في الشمال السوري بين المنظمات المسلحة الكردية وبعض كتائب الجيش الحر لن تحسم شيئا، ولن تضمن حقوق أي طرف من الأطراف، ولكنها تضر بالجميع، وهي تهدد بأن تفتح جرحا عميقا في خاصرة وطننا سيحتاج اندماله إلى سنوات طوال، إذا لم يتحول إلى متنفس دائم لنزاعات القوى الإقليمية. ومهما كان الباعث لها، وهو ما يعرفه الجميع وما يتوجب عليهم إعادة النظر فيه، ينبغي العمل بسرعة على حقن الدماء، والاتحاد حول قضية التحرير الوطني الكبرى ،معركة الحرية والديمقراطية التي لا تهدف أصلا إلا إلى توحيد الشعب السوري بجميع فئاته واطيافه على قاعدة المواطنية، أي على اسس الحرية والعدالة والمساواة واحترام هوية كل طرف وثقافته وأمنه وتطلعاته السياسية في إطار الوحدة الوطنية .
وأنا أهيب بأخوتي العرب والأكراد وجميع أبناء المنطقة للعمل سوية من أجل وقف نزيف الدم بانتظار تنظيم طاولة مستديرة تضم جميع الأطراف، بما في ذلك الاطراف الإقليمية المعنية، للبحث في حل دائم للأزمة، والعمل على محاصرة أسباب الخلاف، وعلى إعادة بناء الثقة على أساس إزالة مخاوف كل الأطراف وضمان حقوقها المتبادلة جميعا، وحفظ حياة وتقلهم ومستقبل أبنائها من العرب والكرد والأشوريين والسريان وغيرهم من سكان المنطقة من دون استثناء.
ليس للشعب السوري، بجميع فئاتها وأطيافه، سوى عدو واحد هو الديكتاتورية الفاشية البغيضة ،وكل ما يفتت قوى الشعب أو يدفع إلى الفتنة يصب في خانة النظام ويقوض القاعدة الرئيسية للثورة التي ليس لها اسم آخر سوى الاتحاد من أجل الحرية.
من أجل حل سياسي ينصف المظلومين لا حل يكافئ المجرمين
من الواضح أن عددا كبيرا من الدول الغربية التي أيدت الثورة بشكل واضح في الأشهر الماضية ،بدأت تخشى من أن ينجم عن الحسم العسكري لصالح الثوار نتائج ليست في مصلحتها أو مصلحة حلفائها الإقليميين وإسرائيل بشكل خاص، ومنها احتمال فقدان السيطرة وانتشار الفوضى أو في أحسن الأحوال سيطرة الاسلاميين على السلطة. وهي وإن كانت مجمعة على ضرورة التخلص من
الأسد إلا أنها تحلم بأن يكون بالإمكان الحفاظ على مؤسسات النظام الرئيسية، العسكرية والأمنية ،بعد ترميمها، لأنهاوحدها تستطيع ضمان الانتقال السلس للسلطة واستعادة المفاجآت غير السارة.
ولذلك، بعكس الوعود التي قدمت للمعارضة عند تشكيل الائتلاف الوطني السوري، لم يحصل الثوار على أي سلاح أو مساعدة مالية ذات معنى. وبعد أن كانت روسيا تعتبر مع إيران العائق الأول أمام التوصل إلى حل، تكاد هذه الدول أن تعطي لروسيا الدور الأول في التوصل إلى تسوية سورية سورية .لا بل إنها مستعدة اليوم كما هو واضح لمشاركة الإيرانيين الذين يريدون الآن أن يقايضوا تجميد التخصيب النووي مقابل الحفاظ على نفوذهم الاستثنائي في سورية.
هذا هو ما تشير إليه أيضا الحركة الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي تشهدها الساحة الدبلوماسية الدولية اليوم، والتي تكاد تتسابق مع حركة الجيش الحر في تقدمه على الأرض. حتى أنه لم يبق في الأيام القليلة الماضية مسؤول دولي أو عربي لم يذكر أن الحل في سورية سيكون أو ينبغي أن يكون سياسيا. بل إن ايران التي لم يحصل أن قبلت في أي مشاورات حول الوضع ا لسوري تحلم بأن تكون شريكا في الحل بالرغم من تدخلها السافر في الشؤون السورية بدعم النظام.
وفي موازاة ذلك بدأت الآلة الإعلامية الدولية في قلب الصورة رأسا على عقب بحيث تبدو المعارضة هي التي ترفض الحل السياسي بينما النظام هو الذي يسعى إلى مثل هذا الحل.
لكن الحقيقة غير ذلك تماما. لم تتوقف المعارضة عن الحديث عن حل سياسي إنما ليس تحت تهديد السلاح وتحت القصف الجوي ونيران البراميل الحارقة والصواريخ وراجمات الصواريخ. وليس في سبيل إشراك النظام من جديد في مرحلة انتقالية، بعد ما قام به من قتل منظم ومبرمج لعشرات ألوف الأبرياء وتشريد الملايين وتدمير المساكن على رؤوس ساكنيها من السوريين.
لا ينبغي للحل السياسي أن يعني إيجاد تسوية مع النظام، وإنما أسلوب أقل دموية لتحقيق مطالب الشعب وإتاحة الفرصة أمامه ليعبر عن رأيه ويقرر مصيره من دون قمع وقتل ممنهج واستخدام للاسلحة الخفيفة والثقيلة، كما لو كنا في حرب مع عدو. وليس هناك إمكانية لوقف الثورة والبدء بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها من دون تحقيق هذه المطالب المشروعة والعادلة، اليوم أكثر من اي فترة سابقة، بعد أن دفع الشعب من دماء ابنائه ثمنها الباهظ. وكل تنازل أمام هدف تحقيق مطالب الشعب وحقوقه الطبيعية سيبدو خيانة للشهداء وتفريطا بدمائهم الطاهرة.
إن ما يتطلع إليه الأسد والدول الخائفة من تحقيق نصر واضح للثورة السورية، هو تسوية من نوع ما حصل في البوسنة تجمع بين القتيل والقاتل، والضحية والجلاد، وتفرض عليهما التعايش والتفاهم .أي تسوية تكافيء القاتل بأن تقدم له مخرجا مشرفا وتطهّره من ذنوبه وتجعله شريكا في الوطن الذي قام بتدميره، وتعاقب القتيل بأن تفرض عليه التعاون مع القاتل على خيانة المبادئ التي ضحّى من أجلها آلاف الشهداء وتشرد في سبيل تحقيقها ملايين الأبرياء وفقدوا أبناءهم وممتلكاتهم.
والهدف من كل ذلك الالتفاف على الثورة والحفاظ على المؤسسات القمعية لمنع الشعب من تقرير مصيره واختيار ممثليه بحرية في سورية الجديدة، بل اغتيال سورية الجديدة هذه ومنعها من القدوم، لصالح سورية الممرغة بوحل الخيانة للمباديء والقيم ودم الشهداء..
حتى يكون هناك أمل في إطلاق مشروع حل سياسي ينبغي حسم ثلاثة أمور، الأول وقبل أي شيء آخر الاعتراف بشرعية مطالب الشعب السوري وبأن الهدف من الحل هو بوضوح تفكيك النظام الإجرامي القائم وإقامة نظام ديمقراطي يمثل إرادة الشعب السوري مكانه، والثاني القبول بمبدأ تنحي جميع أؤلئك الذين كانوا وراء قرار استخدم العنف والإرهاب ضد هذا الشعب أو شاركوا في اتخاذ القرار، وعلى رأسهم بشار الأسد، والثالث تشكيل حكومة وطنية بقيادة المعارضة ومشاركة ممثلي جميع السوريين، مهمتها إعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي، بما يعنيه ذلك من سحب القوات العسكرية التابعة للنظام وعودتها إلى سكانتها وحل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وإعادة النظر بشكل جذري في تشكيل أي جهاز أمني جديد وفي تحديد وظائفه بما يتفق والنظام الديمقراطي ،وتنظيم عمليات الإغاثة وعودة اللاجئين وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بالمشاركة مع العاملين فيها.
إن على جميع أؤلئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم التلاعب بدماء الشعب السوري وتضحياته أن يعرفوا أن إرادة التحرر عند الشباب السوريين لم تتزعزع ولن تتزعزع، وأن تصميمهم على القتال حتى النصر لن تؤثر فيه لا ضغوط خارجية ولا مصاعب داخلية، وأن يعرفوا أيضا أن الشعب السوري لم يكن في أي يوم موحدا ضد الأسد ونظامه الذي أسفر عن وجهه الإجرامي كما هو اليوم، وأن يعرفوا أخيرا أنه إذا كانت الدول الغربية غير متحمسة لتسليح الثورة السورية خوفا على مصالحها ومصالح اسرائيل فإن الدول العربية التي لا تقل مصالحها الوطنية الاستراتيجية، في الخلاص من نظام الجريمة المنظمة والإرهاب الداخلي والإقليمي، عن مصالح الشعب السوري في التحرر من نظام الاحتلال الأسدي، تستطيع أن تكسر حظر السلاح، وهي قادرة عليه، حتى تضمن للجيش الوطني الحر تحقيق التقدم اللازم من أجل إجبار الاسد على الفرار أو الانتحار.
المسؤولية الدولية في استمرار النظام السوري المدان
لماذا لا يوجد أي أمل للنظام في البقاء بالرغم من المصاعب التي يواجهها مقاتلو الجيش الحر في التموين والتمويل والتنظيم، ونقص المضاد للطائرات، فهو لا يزال يخيم ومنذ أكثر من شهر على مشارف القصر الجمهوري في دمشق وعلى طريق المطار، ولم يتوقف عن أسقاط مواقع عسكرية ومطارات وأفواج مهمة يوميا في مناطق متعددة من الجمهورية. وهو يتصدى اليوم بنجاح في حمص وريف دمشق وداريا بشكل خاص لأكبر هجوم يشنه النظام، مستخدما أقوى ما عنده من أسلحة صاروخية، بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة الأخرى. وليست قوة جيش النظام ولا عنترية رئيسهالأخرق هما اللتين سمحتا له بالتفكير أن باستطاعته السيطرة من جديد على محيط العاصمة، ولا تنظيم الحرس الشبيحي الجديد على شكل جيش إضافي، وإنما عدم رغبة الدول في أن يكون سقوط النظام عن طريق الحسم العسكري مخافة أن يؤدي ذلك إلى الفوضى أو استمرار الاقتتال في مناطق أخرى كما تعتقد. وتمسكها، بل اتفاقها على أن تكون الأولوية للحل السياسي. ولذلك تأخر رفد مقاتلي الجيش الحر بالسلاح والإغاثة إلا ما نجح في اغتنامه من انتصاراته الأخيرة.الآن يدرك الجميع ،حتى أولئك الذين كانوا يتعاطفون إلى هذا الحد أو ذاك مع الطرح الروسي الذي هو تزويق للطرح الايراني، أن النظام غير مستعد لأي حل غير القضاء على الثورة. وهو يكرر كعادته بعد كل فشل برنامجا واحدا لم يتغير: المزيد من تصعيد العنف واستخدام أسلحة أقوى والحديث الكاذب عن حوار وتشكيل حكومة جديدة توحي بأنه على طريق الاستقرار، قبل أن يكتشف من جديد هو ومن يحميه، أو يلعب به كبيدق محلي، أن الحسم العسكري مستحيل عليه، فما بالك بإعادة السيطرة على الوضع. يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في استمرار المذابح والدمار بحق الشعب السوري ليس لأنه يقدم بتقاعسه وتردده الوهم للنظام بإمكانية البقاء فحسب وإنما لأنه حرم الثوار من وسائل الحسم، ولم يقم بما يتوجب عليه من أجل جعل الحل السياسي، الذي يعرفه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت عليه أكثر من مئة وثلاثين دولة بأن تحقيق الانتقال بسورية نحو دولة ديمقراطية تعددية ومدنية، ممكن وسريع ولن يكون هناك حل إلا بالعودة إلى تفعيل هذا القرار وتأمين المجتمع الدولي والأمم المتحدة وسائل تطبيقه كما ذكرت في البندين الأول والثاني اللذين ينصان بالحرف على أن الجمعية العامة
1 – «تــدين اســتخدام الــسلطات الــسورية المتزايــد للأســلحة الثقيلــة، بمــا في ذلــك القـصف العـشوائي مـن الـدبابات وطـائرات الهليكـوبتر، في المراكـز الـسكانية، وعـدم سـحب قواتهـا وأسـلحتها الثقيلـة إلى ثكناتهـا، الأمـر الـذي يتعـارض والفقـرة ٢ مـن قـرار مجلـس الأمـن٢٠١٢ )٢٠٤٢( والفقرة ٢ من قرار السنة ٢٠١٢ )٢٠٤٣(.
2 – تدين بشدة مواصلة السلطات السورية والميليشيات الموالية للحكومـة انتـهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشكل خطير منـهجي واسـع النطـاق، مـن قبيـل اسـتخدام القوة ضد المدنيين والمذابح وعمليات الإعدام التعسفي وقتل المتظاهرين والمدافعين عـن حقـوق الإنـسان والـصحفيين واضـطهادهم والاحتجـاز التعـسفي والاختفـاء القـسري والحيلولـة دون الحصول على العلاج الطـبي والتعـذيب والعنـف الجنـسي وسـوء معاملـة الأشـخاص، بمـن فـيهم الأطفال، وأي انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكبها جماعات المعارضة المسلحة.»العودة من جديد إلى الجمعية العامة لتفعيل هذا القرار واتخاذ الاجراءات العملية لتنفيذه، هذا أقل ما يمكن أن يطلبه الشعب السوري من الذين وقعوا على هذا القرار. وليس هناك أي حاجة للعودة إلى مجلس الأمن من جديد لحصدفشل رابع، خاصة وأن قرار الجمعية العامة ملزم في هذه الحالة بعد استعصاء اتخاذ قرار فيه نتيجة تعمد روسيا إعاقة عمله لثلاث مرات متتالية، لكن، إذا عجزت الجمعية العامة والدول التي صوتت على هذا القرار واعترفت بالانتهاكات غير المسبوقة من قبل النظام لحقوق الشعب السوري الأساسية والطبيعية، عن تنفيذ قرارها بوسائلها الخاصة، فمن أقل واجباتها أن تمكن هذا الشعب من الخروج من هذه المذبحة اليومية بنفسه وذلك بتقديم ما يلزم لحسم المعركة على الأرض ووضع حد لنظام قاتل يقصف شعبه بالصواريخ والطائرات والمدفعية والقنابل المحرمة بما فيها الكيماوية.
أثناء ذلك، يتوجب علينا نحن السوريين، الجيش الحر والمعارضة والمجتمع المدني معا، أن نطور، أكثر فأكثر، قدرتنا على تشكيل مؤسسات وطنية فاعلة ودامجة للجميع، والتفاعل مع المؤسسات الوطنية القائمة حتى نكون البديل الملموس. وإذا كان نظام القتلة القائم مدانا بالفناء فلأنه من المستحيل أن يستوعب جميع فئات وقطاعات وأطياف الشعب ولا يقوم إلا على التفرقة والتمزيق والإقصاء والتمييز والإرهاب. وبالعكس، ليس للنظام الديمقراطي المدني التعددي الحر الذي غذت فكرته الثوار منذ البداية من شرعية إلا لأنه هو الوحيد القادر على استيعاب جميع السوريين، من كان مواليا للثورة ومن لم يكن مواليا لها. ومعيار تقدمنا على طريق تحقيق هذا الحلم الواقعي الكبير هو نجاح كل منا ونجاحنا جميعا، نحن دعاة التغيير والنظام الجديد، على بث المزيد من الانضباط والتنظيم وحسن الإدارة وروح المسؤولية العمومية في مجتمعنا المهدد بالتفكك والانقسام تحت وقع التدهور المرعب لشروط الحياة الذي قادنا إليه عنف النظام. وإن الحرص على معالجة التجاوزات التي تهدد الوحدة الوطنية هو مقياس تقديم المصلحة العامة على المصالح الفئوية أو الخصوصية ،وأساس ضمان مصير الوطن ومستقبل الشعب والبلاد.
التسوية المطلوبة والحوار المنشود
زاد الحديث عن التسويات السياسية في الأزمة السورية في الأيام الأخيرة، بعد تصريحات فاروق الشرع التي ليس فيها من جديد سوى اعتراف النظام بأنه لن يستطيع ان يربح الحرب التي أعلنها هو نفسه على شعب مسالم لم يحمل البندقية إلا للدفاع عن نفسه بعد تعرضه للقتل المتعمد والمنظم خلال ستة أشهر متواصلة .
وجوابي أنه لا تسوية بين نظام مجرم وجائر وشعب انتهكت جميع حقوقه وأولها وأخطرها الحق في الحياة. على من أعلن الحرب أن يوقفها، وعلى الدول الكبرى والصغرى التي تريد أن توقف الحرب أن تجبر القاتل على وقف عملياته. وليس هناك تسوية ممكنة بين الجلاد وضحيته. ولا ينبغي أن يكافأ القاتل والمجرم، الذي دمر بلده وقتل عشرات الألوف من شعبه ليبقى في السلطة، على جرائمه ولا أن تقدم له تسوية يخرج منها مبرءأ من الذنب، وربما شريكا في حكم شعب حكم عليه بالإبادةالجماعية والفتك والدمار. ولا أعني رئيس العصابة وحده ولكن العصابة بأكملها. ينبغي على هؤلاء أن يحاكموا ويدفعوا ثمن ما اقترفوه بحق شعبهم بطوائفه وأطيافه جميعا دون تمييز.
وإذا كانت هناك مخاوف عند بعض الطوائف الصغيرة، وهي حقيقية ومحقة، ينبغي على جميع السوريين الحوار من حولها والعمل مجتمعين على الوصول إلى الترتيبات التي يحتاج إليها التفاهم الوطني وتضمن تطمين الجميع .
ليس هناك أي سبب كي لا يبدأ الحوار منذ الآن، لكن ليس مع عصابة الإجرام، وإنما بين أطياف المجتمع المختلفة نفسها، ومع من يمثلها فعلا ويعبر عن مطالب الناس المواطنين السوريين الحقيقية والشرعية المتساوية وحقوقهم. وليس لأحد أن يعطي ضمانة لأحد سوى الشعب نفسه، ولا يستطيع أن يعطي مثل هذه الضمانات الحقيقية سواه. أما الضمانات الشكلية أو الأجنبية أو الانقسامية التي يراد إقامتها على حساب السوريين أو بالأحرى وحدة الشعب السوري وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه فلن تقدم أي ضمانة فعلية، بل إنها ستكون منبع نزاعات جديدة لا تنتهي. أما بشار وعصابته فهو لا يمثل وليس من المقبول أن يمثل أي فئة اجتماعية أو طائفة، ولا أن يتحدث باسم أحد من السوريين الذين دفعهم إلى الانقسام والدمار والموت وهو عارف ومصمم وقاصد. ولا يكون التطمين بالقوة وإنما بالتفاهم حول دستور الدولة الذي يحكم السوريين ويحتكمون إليه جميعا، والقوانين التي ينبغي أن تضمن المساواة والحرية والعدالة للجميع، من دون أن يظلم أحد أو أن تحصل التسوية إذا كان هناك حاجة إلى تسوية على حسابه، مهما كان وزنه أو عدده أو موقعه .
من هنا الحديث عن تسوية مع النظام لا يعني سوى مكافأة المجرمين على إجرامهم، لكن التسوية والصفح والمصالحة بين جميع طبقات وفئات وطوائف ومذاهب الشعب، هذا هو المطلوب وهو ما ينبغي تحقيقه. ولا مانع أن تساعد الدول المعنية بوقف العنف في تنظيم طاولة حوار وطنية بين ابناء الشعب أو أطيافه لتذليل عقبات التفاهم وتطمين الجميع وإعادة بناء الوحدة الوطنية لجميع السوريين. لكن ليس هناك أي سبب بأن لا نبدأ هذا الحوار الوطني نحن السوريين بأنفسنا.
وربما كان هذا هو المدخل الأول لعزل عصابة الحكم وتجاوز الشك وعدم الثقة بل العداء الذي سعت إلى خلقه بين أبناء الشعب الواحد للاحتفاظ بالسلطة. وأنا أدعو منذ الآن جميع الوطنيين المخلصين للعمل على تنظيم هذا الحوار الوطني الذي سيعيدنا إلى أرضية الوطنية الجامعة بعيدا عن أصحاب المشاريع التسلطية والطائفية البغيضة.
عن العدالة الانتقالية
تعني العدالة في الحالة الطبيعية للمجتمعات الحديثة تطبيق القانون بالعدل والنزاهة باعتباره تنظيما للحقوق انبثق عن سلطة شرعية تمثل الشعب. أما العدالة الانتقالية فهي مفهوم للعدالةالنوعية خاص بمراحل استثنائية تمر فيها المجتمعات تتعرض فيها لهزات خطيرة وجماعية في مايتعلق بتطبيق القانون وانتهاكات حقوق الانسان يصبح فيها التطبيق الحرفي والوحيد للقانون غير قادر على مواجهة الفوضى وإخراج المجتمع من النزاع وإطلاق دورة الحياة الطبيعية من جديد. ولا بد في هذه الحالة من استخدام آليات ووسائل أخرى غير قانونية إضافة إلى تطبيق القانون. من هذه الوسائل ما هو سياسي كالتوافق على ميثاق وطني جديد، وماهو اقتصادي مثل التعويضات المادية للمتضررين ،وما هو اجتماعي مثل الحوار، وما هو نفسي مثل الاعتراف والاعتذار للمتضررين والصفح من قبل هؤلاء في إطار عملية مصالحة وتنقية للنفوس من المشاعر السلبية التي احدثتها الكارثة، والعمل على بناء الذاكرة وتخليد ذكرى الضحايا إلخ، وقبل ذلك محاكمة المسؤولين الرئيسيين عن الجرائم ومعاقبتهم.
وعلى سبيل المثال يحصل اثناء الحروب والحروب الأهلية بشكل خاص ان يشارك آلاف وربما ملايين الافراد المتحاربين في انتهاك حقوق الانسان، وسيكون من المستحيل تقديم جميع المشاركين إلى المحاكم العادية والتحقيق بشكل سليم في الجرائم أو الأخطاء التي ارتكبت، كما سيكون من المستحيل أيضا ضمان إطلاق الحياة الطبيعية وتحقيق التفاهم ووقف دوامة الانتقام المتبادل بين الاطراف من دون تحديد دائرة المحاسبة في فئة محدودة تتحمل مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت. ويصبح من الضروري البحث عن وسائل أخرى لرد الحقوق والتعويض عن المظالم بالنسبة لقسم كبير من الضحايا .
ففي جنوب أفريقيا لعب الاعتراف بالخطأ والتكفير عنه بالاعتذار للضجايا من قبل البيض دورا كبيرا في دفع السود الذين عوملوا كعبيد خلال قرون إلى الصفح ووقف عمليات الملاحقة والإدانة، وبالتالي في ولادة دولة جنوب إفريقيا الديمقراطية والقضاء على نظام التمييز العنصري، ليس في النصوص فقط وإنما داخل النفوس أيضا. وقد ساهم ذلك في تفكيك النظام العنصري والخروج منه إلى الأبد وبناء نظام ديمقراطي جديد يساوي بين الجميع، وأهم من ذلك إعادة بناء الثقة بين الجماعتين البيضاء والسوداء وبدء حياة وطنية مشتركة.
والأمر ذاته، لكن بأشكال أخرى، حصل حيثما كانت هناك حروب أهلية او نزاعات سياسية تمت فيها انتهاكات خطيرة وبالجملة مثل البوسنة وصربيا وتشيلي والمغرب وتونس وغيرها. ويعتقد أصحاب هذا المفهوم للعدالة الانتقالية المرتبط بمراحل انتقال صعبة أن تطبيق آليات العدالة الانتقالية قد ساهم في كسر دوامة العنف والحد من روح الانتقام والانتقام المضاد وسهل للمجتمعات العودة إلى الحياة الطبيعية .
في تقاليدنا ينتمي هذا المفهوم إلى حقل الإحسان الذي هو أعلى مرتبة دينية وأخلاقية من الاقتصاص .
لكن ليس لهذا المفهوم معنى إلا في حالة واحدة، عندما يقود التنازل عن بعض الحقوق الفردية إلىكسب أو اكتساب حقوق جماعية أكبر، مثل إنهاء الحروب والنزاعات الأهلية ولا يطبق بالتالي إلا بعد نهاية النزاع وبعد اعتراف المسؤولين عن الانتهاكات بأخطائهم والاعتذار العلني عنها، وتصحيح المسار وتوبة المخطئين وقبولهم بالالتزام بالقانون واحترام الميثاق الجديد والتخلي عن الافكار والمسالك التي قادتهم إلى الضلال.
على العموم، تطوير مثل هذه المفاهيم مهم وضروري من أجل تعزيز روح التسامح والمصالحة في كل المجتمعات التي ابتليت بنزاعات خطيرة، ولا توحد حياة اجتماعية من دون روح التسامح والصفح والكرم الأخلاقي الذي يشكل الرصيد الحقيقي لبقاء المجتمعات واستقرارها. لكن لا ينبغي أن يؤثر ذلك على قدسية احترام الحقوق والقانون. ولا أن يحول دون محاكمة المسؤولين الرئيسيين عن الانحراف الجماعي الذي حصل، أعني أصحاب القرار عن قتل الأبرياء والتنكيل بهم. لأن التغاضي عن مثل هذا العمل يهدر حقوقا جماعية أساسية، ويقضي على معنى المسؤولية ويدمر بالتالي أسس النظام الجديد قبل أن يظهر.
وفي سورية من المهم أن نفكر بكل ذلك بالرغم من أن الوقت لم يحن بعد لتحقيقه، ومن المفيد أن نعد القوائم بالمجرمين المنتهكين لحقوق الناس وبالضحايا حتى نكون على بينة من أمرنا حال سقوط النظام ولا نترك الجراح العميقة تتقيح، ومن اللازم أن نعد منذ الآن ورش التعويضات عن هذه الانتهاكات الخطيرة في ما يخص مثلا النساء الذين تعرضن للعنف والاغتصاب والأطفال المعاقين والمشردين والذين فقدوا أسرهم وعائلاتهم، وأسر الشهداء وغير ذلك من الحالات الخطيرة والأليمة التي ملأت حياة سورية والسوريين لسنتين متتاليتين، لم يمارس فيهما من قبل نظام القتلة سوى العنف على الجميع، والعنف بجميع صوره وأشكاله، المادية والمعنوية، الجماعية والفردية. وسنحتاج بالتأكيد لورشات عمل كثيرة ولسنوات طويلة حتى ننجح في تصريف هذا الكم الفائض والهائل من العنف ونستعيد تاريخا طبيعيا، تاريخ الشعوب التي تحظى بحكم العدالة والقانون .
لكن الأولوية الآن ينبغي أن تظل لوقف هذا العنف وإسقاط النظام الذي لم يعرف يوما وسيلة للتعامل مع الشعب غيره. ويكفي جزء بسيط من هذا العنف الذي تحمله السوريون في العامين السابقين للحكم بالإدانة القاطعة والشاملة على بالموت على هذا النظام الذي جعل من الإرهاب سياسة دولة وعقيدة حكم، ومن إذلال الناس وإهانتهم والدوس اليومي على كرامتهم وتجريدهم من حقوقهم وهوياتهم مصدر فخر وشرف للحاكمين ورخصة قتل مفتوحة في يد خصيان متسيدين
بصدد انتخاب رئيس الوزارة المؤقتة
الطريقة التي تمت بها اجراءات اختيار رئيس وزراء أول حكومة مؤقتة للثورة السورية لا تليق بثورة عظيمة كالثورة السورية، ولا تعكس الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه معاناة ملايين السوريين
المنكوبين وآلاف الشهداء والجرحى والمشردين .
الآن وقد تمت الانتخابات، وانتهى النقاش، أدعو جميع أعضاء الإئتلاف إلى دعم الرئيس الجديد ومساعدته على تحقيق مهمته الصعبة، كما أدعو السوريين للالتفاف حوله، وتأكيد الثقة به، لعبور هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا.
وإني إذ أدعو له بالتوفيق اعبر عن أملي الكبير في أن ينجح رئيس الوزراء الجديد في توحيد الصف ونيل ثقة قوى الثورة والمعارضة لصالح سورية والشعب السوري.
سيترتب على أي حكومة وطنية جديدة أن تفرض نفسها كسلطة مركزية أمام تعدد القوى المسلحة ،وأن تنجح في إعادة بناء مؤسسات الدولة وفي مقدمها المؤسسة العسكرية والأمنية، وأن تعيد توحيد الشعب الذي مزقته الحرب الإجرامية، من خلال التمسك بحكم القانون ومباديء العدالة الانتقالية ،وأن تؤمن الأطر والموارد اللازمة لإطلاق برنامج دعم طموح لفئات الشعب المختلفة التي فاقت معاناتها حدود الاحتمال، من أبناء الشهداء، والمعتقلين والمفقودين والمشردين في المخيمات والنازحين والمعدمين، وتوفير شروط الاقلاع الاقتصادي والاندماج الاجتماعي للسوريين جميعا. وهو ما يستدعي حشد القوى والطاقات السورية في الداخل والخارج، و العمل بجميع الوسائل على الارتقاء بزخم الدعم العربي والدولي لسورية وشعبها إلى أعلى المستويات.
اغتيال البوطي
سياسة خلط الأوراق وإشعال الحرائق ووضع العبوات الناسفة والمتفجرات والضرب في معسكر الأصدقاء والأعداء معا كانت ولا تزال سياسة العصابة الحاكمة بهدف تدويخ الناس ودفعهم إلى الاقتتال في ما بينهم. ولا يمكن أن تشذ عن ذلك عمليات اغتيال رجالات النظام الذين كثيرا ما ضحى بهم وحول اغتيالهم إلى انتحار.
عملية تفجير المسجد الذي ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء والشيخ سعيد رمضان البوطي، لا تشذ عن ذلك فهي توجه رسالة مازال النظام يسعى إلى ترسيخها وهي تثبيت اتهام المعارضة الشعبية بالإرهاب وعدم احترام أي محرمات .
إن العملية التي راح ضحيتها الشيخ رمضان البوطي هي أوضح تعبير عن حالة اليأس التي وصل إليها رجال اللانظام. وهي جريمة منكرة لا تختلف في وحشيتها وعنفها عن الجرائم المستمرة التي يرتكبها النظام ضد شعب آمن منذ عامين.
***
كل يوم يمر يبرهن نظام القتلة على أن «ما هو قائم في سورية من نظام سلطة منذ عقود ليس له علاقة بالسياسة أو حتى بالدكتاتورية المعروفة، ولا بالحكم البوليسي ولا حتى الفاشي. إنه مشروعاغتيال سياسي منظم لشعب، هدفه الغاؤه من الوجود كشعب، وتحويله الى قطيع غير قادر على الاهتداء بنفسه ولا يعيش الا باتباع جلاده وتقبيل يديه.»لكنه الآن، في مواجهة مشروع تحرر هذا الشعب وخروجه عن الطوق، لا يجد وسيلة للانتقام إلا حرب الإبادة الشاملة وتدمير البيئة الطبيعية والحضارية .
حول المتطوعين العرب
يخشى الكثير من العرب، حكومات وشعوبا، أن يؤدي استمرار الصراع في سورية لفترة طويلة من دون حل إلى انعكاسات خطيرة على بلدانهم وفي مقدمها عودة الحركات الجهادية إلى النشاط أو حتى انفجار التوازن السياسي أو الطائفي الهش القائم هنا وهناك. وقد تجاوزت تلك المخاوف بلدان الجوار لتمس بلدان عربية أبعد وإن كانت مشمولة بموجة الثورة التحررية الراهنة. فقد أثار الإعلان منذ أيام عن استشهاد احد عشر شابا تونسيا كانوا قد التحقوا بصفوف الثورة السورية قلقا كبيرا في الأوساط السياسية والاجتماعية التونسية. وربما اتهم البعض المعارضة السورية بتعبئتها الشباب ودفعها لهم إلى القدوم إلى سورية .
وإننا إذ نقدر كثيرا حماس شبابنا العرب وانتصارهم لقضيتنا واندفاعهم للمشاركة في شرف القضاء على هذا النظام الوحشي، الكافر بشعبه وكل القيم والمبادئ الإنسانية، نقول لأخواننا، حكومات وشعوبا، أن الشعب السوري لا يحتاج إلى متطوعين، ولم يطلب من أحدهم المجيء للقتال في سورية .فسورية، التي يمثل الشباب من تحت سن العشرين عاما أكثر من 60 بالمئة من شعبها، لا ينقصها الرجال بل والنساء المقاتلين لله الحمد. إن ما ينقصها هو العدة والعتاد والسلاح النوعي فحسب. بل إن آلاف الشباب السوريين المتطوعين في كتائب الثورة لا يزالون ينتظرون السلاح والذخيرة للمشاركة مع إخوانهم في حرب التحرير الوطنية .
حبذا لو اهتم أبناؤنا من الشباب العرب الراغبين في دعم الثورة السورية بشكل أكبر بتعبئة الرأي العام العربي وراء قضية الشعب السوري العادلة، وعلى تنظيم حملات التبرع لصالح الشعب السوري في بلدانهم او في بلدان إقامتهم. ربما ساعدنا هذا على تعزيز قدرات الشعب السوري القتالية والتخفيف من مخاوف الدول والحكومات العربية وغير العربية التي تخشى النتائج السياسية للثورة على الأوضاع الإقليمية والوطنية وساهم بوضع حدا للاتهامات المغرضة التي يطلقها النظام وأنصاره حول التطرف والتدخلات والمؤامرات الخارجية التي برع وحده في التعامل معها وتنظيمها.
مفتي النظام يعلن الجهاد
بعد يوم واحد من إعلان مفتي جمهورية الأسد الجهاد المقدس ضد المؤامرة الكونية التي حاكهاالشعب السوري في سره ضد «خط الممانعة»، ولا تزال مستمرة في كل القرى والمدن والمنازل السورية منذ سنتين كاملتين، أعلنت اليوم قيادة أركان جيش الجمهورية ذاتها التعبئة وحالة النفير العام ،كما ألغت جميع التأجيلات للمكلفين بخدمة العلم، واستدعت الشبان من مواليد 1987 وما فوق للالتحاق بميليشيات الأسد المسلحة.
أثار إعلان الجهاد البارحة من قبل الشيخ حسون، للدفاع عن نظام يخوض في دم شعبه منذ أشهر طويلة، السخرية والهزء في سورية وخارجها. لكن إعلان التعبئة العامة يثير السخرية أكثر عندما يرى المرء الوضع الراهن للنظام وجيشه الذي يفقد يوميا العشرات بين منشقين ومقتولين، بالإضافة إلى تخلف الشباب عن الالتحاق بالخدمة العسكرية. وفي أحسن الأحوال يؤكد هذا القرار أن نظام الشبيحة يمر في حالة يرثى لها، وقد بدأ يعاني من نقص المتطوعين والمرتزقة، وأنه بحاجة إلى رجال يسدون الثغرات الكثيرة والمتزايدة في دفاعات نظام يتهاوى أمام زحف الثورة وجيشها الحر الباسل.
والمعروف أيضا أن أحدا من المطلوبين للخدمة الإلزامية لم يعد يلبي النداء، لأنه يعرف أن الامر لا يتعلق بواجب وطني وإنما بتنظيم لحملات قتل جماعية بحق شعبه وأبناء بلده .
إذا أظهر النظام البائس جدية في تطبيق هذا القرار فهذا يعني أنه يريد اعتقال كل ما تبقى من رجال قادرين على حمل السلاح في سورية وتقييد حركتهم وحبسهم في المعسكرات لمنعهم من الاستمرار في النشاطات المؤيدة للثورة.
وكنت قد كتبت في ٤ آذار أنه لم يعد أمامنا، إذا اردنا ان نقصِّر أمد الحرب ونحبط خطط النظام وحماته ونقلل من عذابات شعبنا، إلا أن نحزم امرنا ونؤمن السلاح والذخيرة ونعلن التعبئة العامة في صفوف الثوار والمناطق المحررة لنوجه ضربة قاضية لنظام القتل والمهانة والاحتلال. وهذا هو الرد الذي ينبغي أن يكون على دعوة شباب سورية للالتحاق بميليشيات القتلة، أعني إعلان النفير في الاتجاه المعاكس ودعوة كل الشباب المهددين بالإلحاق الإجباري يميليشيات النظام، إلى الالتحاق بقوات الجيش الحر، مع تأمين كل ما يحتاجون إليه من تدريب وعتاد.
خطر التشتت
أخطر ما يهدد عملنا اليوم هو تشتت قوانا، وغياب روح العمل الجماعي عنا، واعتداد كل فرد بقوته الذاتية وذكائه وفطنته. كان هذا النوع من العمل مفيدا في بداية الثورة لأنه يعطينا تفوقا على النظام ويحرمه من فرصة القضاء علينا بضربات معدودة. اليوم، وقد انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم، وأصبحنا نخوض معارك ذات طابع تحريري، تهدف إلى كسر مقاومات النظام واستعادة السيطرة على مؤسسات الدولة، نحتاج إلى التجمع وتكتيل القوى والحشد لتحقيق أكبر الانجازات بأدنى الخسائر وأسرع وقت .
ينبغي أن يكون الحشد والتجميع في بؤرة اهتمامنا.
الخوف والشك وتحديات اللحظة الراهنة
شئنا أم أبينا نحن مقبلون على معارك ضارية قبل أن نزيح كابوس النظام الكارثي عن صدر شعبنا .لاتنقصنا الروح المعنوية وحب الشهادة والاستبسال وإرادة النصر ولا الشباب ولا الموارد. ينقصنا التنظيم. واجبنا جميعنا اليوم التركيز على التنظيم الذي هو سر النجاح في كل الأعمال. لننظم دورات في التنظيم والإدارة الناجحة في كل الميادين .
بالفوضى المنظمة حكمتنا مجموعة من اللصوص، وبالتنظيم سنضاعف قوانا ونحرر بلدنا وشعبنا وأنفسنا.
***
ثقافة الخوف والشك وغياب الثقة بالنفس وبالآخر هي من أهم ما عاش ويعيش عليه نظام الطغيان والإرهاب الذي عرفناه خلال عقود طويلة. كل فرد يشك بالآخر، ويخاف على نفسه من الخطأ وبالتالي الخسارة. لا أحد مستعد لأخذ مخاطر جدية، سواء بالنسبة لاسمه أو صورته أو الافكار التي يؤمن بها، بينما لا يمكن لعمل كبير أن يتحقق من دون القبول بحد أو آخر وأحياناً بمخاطر كبيرة. الإسلاميون يخافون من العلمانيين والعلمانيون يخافون من الإسلاميين لأدنى خلاف ،والإسلاميون يخافون من إسلاميين مختلفين عنهم، والعلمانيون أيضا منقسمين إلى علمانيين معتدلين ومتطرفين. لا أحد يشعر بالراحة والثقة مع أحد. الكل يقزم الكل ونفسه معهم. في لعبة التقزيم المتبادل الجميع خاسر. وهذا حال القوى السياسية السورية.
***
كلنا نعرف الظروف اللاإنسانية التي يعيشها شعبنا اليوم. لكن لن يخدم التراجع عن الأهداف أو التشكيك في إمكانية الوصول إليها قضيته، ولن يخفف من معاناته، ولكنه سيزيدها لأنه سيطيل أمد الحرب لأن النظام لن يقبل بأقل من قتل الثورة وكسر إرادة الثوار. في مثل هذه المواجهة المصيرية بكل المعاني ينبغي على القادة أن يتحلوا بالكثير من البصيرة ورباطة الجأش والتصبر والتصميم على الانتصار. وإلا فإنهم يضعفون معنويات المقاتلين ويضرونهم بدل أن يخففوا المعاناة عن شعبهم.
توحيد كلمة الثوار
أكثر ما يسيء لعملنا في جميع مؤسسات الثورة، أو المرتبطة بها او المدعية مثل هذا الارتباط، اعتقاد بعض الأطراف أن لها حق طبيعي في أن تضع يدها على مفاتيح القرار أو في الواجهة أو في مناصب المسؤولية، بسبب ما تتمتع به من مزايا تنظيمية أو فكرية أو مناوراتية، في أي مؤسسة جامعة يتمأنشاؤها. وهي عادة تعرف ما تتمتع به من ميزة مقارنة وتسعى إلى استغلاله أعظم استغلال من أجل أن تهمش الأطراف الأخرى، وتنصب نفسها في الواجهة. والنتيجة أن الأطراف الأخرى الأقل تنظيما أو حنكة سياسية بالرغم من كونها غالبا الأكثر إخلاصا للعمل والأبعد عن التنافس وحب الظهور، تجد نفسها مغيبة تماما وفاقدة لحقوقها. ويجد أفرادها أنفسهم محرومين من أي فرصة في أن يظهروا أو يعرفوا عن أنفسهم أو يمارسوا أي سلطة قرار أو نفوذ. ويحيلنا هذا إلى الداء الرئيسي التي تعاني منه مؤسساتنا الجماعة في كل أزماننا : تعميق انعدام الثقة بيننا، وتنامي الشك المتبادل .وبدل أن يصبح أي تنظيم جامع جديد أساسا لتنمية قوانا وتوحيدها ولارتقاء بأدائنا السياسي أو العسكري، بما يرفدنا به من التضامن والتعاون والعمل المشترك، يتحول إلى مصدر إضافي للفرقة والانقسام، وندخل في دينامية الصراعات الداخلية والاتهام والتحييد المتبادلين .
أكتب هذا الكلام بمناسبة الاجتماع الذي نظمه في استنبول بعض الأخوة الناشطين من أجل جمع الأطراف الحمصية مع بعضها، وتكوين صندوق واحد لدعم الكتائب وتموينها .
هناك من يستخدم الانتخابات، باسم الديمقراطية، لتحقيق الهدف ذاته الذي كانت تستخدم الديكتاتورية من أجله، أي ضمان هيمنة فئة واحدة على القرار أو الواجهة أو الاعتراف. مع فا رق أن الديكتاتورية تفرض الرأي الواحد بالعنف والقهر والاقتراع الديمقراطي المزعوم أو الملغوم يفرضه بالغش والتلاعب .
الديمقراطية والتهميش
الديمقراطية ليست حجة على التهميش، ولا تستقيم إذا استخدمناها كلعبة للضحك على الآخرين وإخراجهم من المنافسة الجدية، حتى لو حصل ذلك بطريقة ناعمة. وليست شرعية تلك التي تستمد من قبل انتخابات مغشوشة سلفا لأنها تمثل جمعية انتخابية هي نفسها لا تمثل الأطراف المطلوب توحيد إرادتها وصفها. ونتائج مثل هذه الانتخابات ليس لها من الديمقراطية أي معنى .إذا لم تنتج الديمقراطية إرادة جماعية، أي لم تكن وسيلة لتوحيد إرادة الجميع بما تضفيه من شرعية على أصحاب المسؤولية أو السلطة أو الوجاهة الفائزين، بحيث يقبل بها أو بحكمها الخاسرون والرابحون معا، فليس فيها فائدة وليست لها شرعية، ويمكن أن تدفع إلى الانقسام والاقتتال أكثر بكثير من الديكتاتورية الفاسدة .
ينبغي أن يكون هدفنا الأول اليوم توحيد الكلمة وتوحيد الصف، وهذا مقدمة ضرورية لتوحيد السلاح وتنظيم استخدامه وتحسين أداء الكتائب بما يمكننا من التقدم في حسم الصراع الراهن مع النظام وعدم السماح له بتمديد حالة العنف والنزاع والقتل المجاني اليومي. ولا يمكن تحقيق ذلك بالتلاعب بالانتخابية الديمقراطية، وإنما هو يستدعي التوصل إلى تسويات بين جميع العاملين
والحصول على رضاهم وقناعتهم، وإزالة الحساسيات القائمة مهما كان مصدرها وسببها بينهم ،والتوصل إلى آليات لتجاوزها والدفع بعجلة التعاون والتضامن والتفاهم. والتصويت المغشوش يدفع إلى نتائج معاكسة تماما ويرسخ الشعور بالغبن والخديعة والهامشية والظلم. وسنرى أنفسنا مقسمين أكثر بين كتائب متباعدة ومتنافرة وريفيين وحضريين وعسكريين ومدنيين .
أكاد اجزم الآن أن إخفاق كل اجتماعاتنا التي كانت تهدف إلى تشكيل إطار جامع، سياسية كانت أم اقتصادية أو ثقافية أم عسكرية، عائد إلى أنها كانت ملغمة من الداخل بسبب إرادة الهيمنة التي تميز بعض الأطراف وتدفعها إلى نسيان أهمية إرضاء الأطراف الاخرى وتشجيعها على التعاون والعمل المشترك. وكانت لذلك تجهل دائما أن وظيفتها الرئيسية هي أن تجمع المختلف لا تفرض الواحد على الأخر، وهذا ما يحصل عادة عندما تعتقد فرقة أو مجموعة أنها مؤهلة للقيادة أو أن الآخرين غير كفء للقيادة وأنها الأجدر بمواقع المسؤولية والقرار. وحتى تجمع ينبغي على المؤسسات أن تراعي مصالح جميع الأطراف لا أن توظف تفوقها في ميزة ما من أجل فرض نفسها عليهم. ونتائج أي انتخابات لا قيمة لها إذا أنا حشدت في الجمعية التي ستنتخب نصف الأعضاء من أبناء عمي وخالي وعشيرتي .
إذا بقينا نعمل بهذا المنطق لن نتقدم أبدا. والأفضل أن تبدأ الديمقراطية عندما من بلورة آليات الحد من احتمال الهيمنة المنفردة أو من قدرة أحد الأطراف على فرض سيطرته من دون رغبة الآخرين ،وأن نراعي مشاعر الجميع ومصالحهم، أي أن ندرك مخاطر الأنانية الحزبية وهي أسوأ من مخاطر الأنانية الشخصية على أي عمل جماعي .
لا قيمة لأي اقتراع لا يشعر الجميع بأنه كان نزيها، وأنه حصل في شروط طبيعية وسليمة، أي من دون تلاعب لا في طريقة التصويت ولا في طريقة حشد وتكوين الجمعية الناخبة. ومثل هذه الأعمال هي التي تقوض الفكرة الديمقراطية وتدفع الأطراف الأضعف إلى استخدام العنف في مقابل الغش والتزوير الذي يجيده أصحاب المزايا الخاصة.
مسألة التفاوض
حتى لا تتحول المفاوضات إلى فخ للثورة وأهدافها
عندما بدا للنظام أن الثورة السورية محاصرة ولا تتلقى الدعم الكافي بالسلاح حزم أمره وخطط لهجوم دموي مضاد وصل فيه إلى حد سمح لنفسه فيه أن يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعب أعزل وأطلقها على أحياء سكنية ليس فيها أثر لمقاتلين أو جيش حر. كان يعتقد انه قادر على الحسم العسكري.
الآن، بعد أن قرأ في الإعلام عن تدفق الأسلحة من كل الأنواع على الثوار، وأيقن أن هجومه المعاكسقد باء بالفشل الذريع، وشاهد تقدم الثوار على الأرض، أرسل وليد المعلم يستجدي الحوار من الروس الذين بدأوا يكيلون الاتهامات للمعارضة بأنها هي التي تعرقل الحوار.
ليس من المستبعد أن تنطلق ابتداءا من الآن مرحلة من المناورات المعقدة لفتح مسار سياسي ،بموازاة المسار العسكري ربما. وعلينا أن نعرف أن الأسس التي ستقوم عليها مثل هذه المفاوضات ستكون حاسمة في تحديد النتائج التي ستسفر عنها. فإذا كانت البداية والأسس خاطئة ستكون النتائج سيئة ولن نفيد منها شيئا. لكن من الممكن أن نسرع في عملية تكنيس النظام إذا عرفنا كيف نؤسسها منذ البداية على أسس وقواعد واضحة، ورفضنا القبول بأي مغامرة إبداء لحسن النية. ومن المفيد أن نشرح للرأي العام السوري، الذي أنهكته الحرب، ذلك بدقة وبالتفاصيل حتى يكون معنا دائما ويدعم خطواتنا.
يريد النظام وأسياده الروس أن يجرونا إلى حوار عام حول الحل السياسي من دون محددات ولا أسس قانونية أو سياسية، ولا أهداف واضحة للمفاوضات، ولا أجندة وسقف زمني واضح، بهدف ايقاعنا في فخ التفاوض لأشهر وربما لسنوات من دون نتيجة، حتى نمل أو ينقلب علينا الشعب، ونضطر إلى القبول بأي تسوية. وهذا ما حصل للفلسطينيين بعد أن قبلوا الدخول في هذا النوع من المفاوضات التي تراهن على ذكاء المفاوض وحسن نوايا الخصم. وبعد أكثر من ثلاثة عقود لم يصلوا إلى الهدف المنشود في اقامة الدولة المستقلة، ولا يزالون يركضون وراء سراب وينتقلون من حوار إلى حوار.
لا ينبغي أن نسلم لأي طرف ونثق به أو نعتمد على مشاعر الثقة أو التطمينات الكلامية، بما في ذلك أنفسنا. ينبغي أن نضبط الأمور منذ البداية بشكل واضح ودقيق .
وأنا أقول لو أظهر النظام الارهابي في سورية قدرا قليلا من الوطنية أو الحرص على حياة الشعب ومصير البلاد لقلنا أننا ربما ننجح من خلال المفاوضات نفسها في جر النظام إلى موقف أكثر إيجابية تجاه مصالح المجتمع والدولة. والحال ليس كذلك أبدا، وهذا ما تبرهن عليه تجربة سنتين من العذاب والقتل والدمار من دون أن يرف لمسؤول جفن.
وكان بإمكاننا أن نكون أقل تطلبا في شروط الدخول في المفاوضات وأكثر مرونة وتساهلا لو أن الروس، الذين وقعت عليهم كما يبدو مسؤولية تنظيم المفاوضات، كانوا وسيطا محايدا أو موضوعيا .والحال أن تصريحاتهم تكاد تتجاوز تصريحات نظام الإرهاب السوري في استهتارها بحياة أبنائنا ومستقبل وطننا .
على النظام الهالك والروس الذين يحمونه أن يبدأوا هم أولا ببناء جسور الثقة والبرهان على جديتهم في أي مفاوضات قادمة. إن أساس الجدية هو أن يبينوا قبل الدخول في أي مفاوضات ،وببيانات رسمية، أن هدف المفاوضات هو تصفية النظام الديكتاتوري ونقل البلاد والشعب إلى نظام ديمقراطي يقوم على سيادة الشعب وحقه في اختيار ممثليه بحرية وتحت المراقبة الدولية. إن هذاالهدف لا يناقش ولا يفاوض عليه، وإنما تجري المفاوضات على صيغ الانتقال وجدوله الزمني وأشكال التنظيم المرتبطة به كما تجري على تحديد الضمانات اللازمة لتحقيق الانتقال الآمن والسلس الذي يوفر مؤسسات الدولة، ويجنب المجتمع مخاطر الانزلاق نحو العنف أو الانتقام أو العزل أو التمييز ضد أي فئة كانت .
إن اتهام لافروف المعارضة في بدء الدعوة لتنظيم المفاوضات بأنها هي التي تعرقل الحوار لا ينم عن نية حسنة على الإطلاق وإنما يعبر عن مثابرة موسكو على الانحياز للنظام ضد الشعب والمعارضة. وفي هذه الحالة يمكن أن تتحول المفاوضات إلى وسيلة لتوريط المعارضة في حوار لا تكون نتيجته سوى انقسام المعارضة وتفجير تناقضاتها الداخلية ومساعدة النظام على استعادة جزء من شرعيته وقوته المنهارتين. على طالبي الحوار والمفاوضات أن يعلنوا عن الإطار الذي ينبغي ان يحكم المفاوضات ولا يمكن ان تقبل المعارضة بأقل مما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية حسب قرار الجمعية العمومية بتاريخ ٣/٨/٢٠١٢ الذي يؤكد على مسؤولية الحكومة عن نشر العنف وشرط وقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن وإعادة الجيش إلى ثكناته وإطلاق سراح المعتقلين كمقدمة للبدء بأي مفاوضات.
***
الحوار بين المعارضة والنظام مطلوب في كل زمان ومكان من أجل توفير الدماء والدمار وفض الخلافات مع الحفاظ على الوحدة الوطنية. ولو كنا أمام حكم سياسي طبيعي لكان مثل هذا الحوار قد وفر علينا شلال الدم الذي يسيل منذ سنتين من دون توقف حتى يوما واحدا .
إنما، نحن لسنا أمام نظام سياسي يعرف معنى القيم الوطنية ولديه أدنى حد من الشعور بالمسؤولية تجاه شعبه ووطنه. إننا أمام عصابة إرهابية اختطفت الدولة السورية وأخذت الشعب رهينة ،وقررت، مثلها مثل أي عصابة قطاع طرق،أن تقتل العشرات من الأبرياء كل يوم، مستخدمة أعنف الوسائل وأكثرها وحشية، حتى تقنعنا بأن لا خيار لنا سوى التسليم لها بما تريده من نهب وسلب .
على هذا الأساس ينبغي أن نعرف أننا نفاوض مع «النظام.»
ومع نظام العصابات، لايوجد أي مجال للثقة ولا أي تسوية من أي نوع كان. فلا يمكن لقيادة سياسية أن تفاوض على حل يبقى الشعب رهينة، مهما كانت التضحيات. تحرير الشعب الرهينة هو الأساس لأي مفاوضات. وأقصى ما يمكن أن يقدمه رجل القانون للخاطفين توفير فرصة الرحيل في حال وفر الخاطفون حياة الرهائن وأطلقوا سراحهم .
والحال أن ما تريده العصابة القائمة، التي تتمترس وراء الدولة وتتلطى بها، هو العكس، أي جر المعارضة نفسها إلى فخ يجعل منها رهينة إضافية تزيد من قدرة العصابة على ابتزاز المجتمع الإقليمي والدولي .
تحلم أي عصابة إذا اعتقدت أنها تستطيع أن تقنع رجل القانون بحقها في المشاركة في المسؤولية وبسط الأمن، عن طريق الابتزاز بمزيد من القتل والتمثيل بجثث الضحايا الأبرياء.
أكثر من أي عصابة أخرى، ستنال العصابة الأسدية العقاب الذي تستحقه من الشعب قبل أن ترمى في مزبلة التاريخ.
مؤتمر روما
تعليقي على مؤتمر روما لأصدقاء الشعب السوري أن هذا المؤتمر الدوري الذي بدأ مبشرا لأننا توقعنا منه أن يسد مسد مجلس الأمن الذي عطلته روسيا بنقضها الجاهز لكل القرارات المتعلقة بنصرة الشعب السوري، تحول إلى تظاهرة دبلوماسية مملة للتضامن مع الشعب السوري .
قبل سنة من الآن كان هذا النوع من التضامن سببا في بعث الآمال ورفع المعنويات. اليوم، بعد سنتين من القتل الممنهج والتدمير الشامل، أصبح يثير الإحباط، لأنه يبرز بشكل أكبر عجز المجتمع الدولي، وارتباكه، وجبنه عن اتخاذ القرار المطلوب، لوقف شلال الدم، ووضع حد للجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها ميليشيات نظام فقد كل المعايير الأخلاقية والإنسانية، وتجاوز كل الحدود .
كان الحد الأدنى المطلوب سياسيا، وهذا ما طالبت به المسؤولين الأمريكيين، الذين حثونا عن عدم مقاطعة مؤتمر روما، هو الاعتذار العلني عن التقصير بحق المدنيين السوريين الذين قتلهم الجبن الدولي وليس فقط وحشية نظام النازيين الجدد. وكان أقل ما يمكن عمله لغسل العار وتجنب الفضيحة، هو بيان علني من قبل الأمين العام للأمم المتحدة تؤيده فورا مجموعة أصدقاء الشعب السوري، يدين الاستخدام المحرم قانونيا لأسلحة الدمار الشامل، ويعتبر الاستمرار في استخدام الصواريخ الباليستية ضد الأحياء السكنية جريمة ضد الانسانية، ويؤكد حتمية مثول أصحاب القرار فيه أمام المحكمة الجنائية الدولية، والطلب من مجلس الامن اتخاذ الإجراءات اللازمة بمواجهة هذه الصواريخ وتفجيرها في الجو قبل وصولها إلى هدفها لدوافع اخلاقية .
أعرف أن الأمريكيين ليسوا على هذا الخط، وأن جل أملهم أن ينجح الروس في جمع الأطراف المتنازعة، كما يقولون، حول طاولة مستديرة للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة. لكن لا ينبغي لذلك أن يمنعنا من المطالبة بحقوقنا تجاه المجتمع الدولي. وهو ليس بالكثير إذا رجعنا إلى الالتزامات الدولية تجاه الشعوب التي تتعرض لجرائم ضد الإنسانية كما يتعرض لها شعبنا اليوم .
المعارضة مطالبة بأن ترتفع في تصميمها وقوة شكيمتها وتطلعاتها إلى مستوى الأعمال البطولية لثوار الحرية. فهذا وحده الذي يثمر. وبالعكس، كما قال الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
***
في مفاوضات ما قبل المشاركة في مؤتمر روما من قبل الإئتلاف، كنت قد طالبت، من بين مطالب أخرى، بأن يصدر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون بيانا رسميا تتبناه فورا دول أصدقاء سورية ،يشجب بشدة استخدام صواريخ سكود من قبل نظام القتلة في دمشق، ويؤكد على أن ذلك يشكل جريمة ضد الإنسانية، ويعرض أصحابه إلى المساءلة أمام محكمة الجنايات الدولية، كما يؤكد على واجب الأمم المتحدة دراسة وسائل وقف مثل هذا العمل الإجرامي ضد السكان المدنيين بجميع الوسائل. وقد جاء بعض من هذه الأفكار في بيان تجمع أصدقاء سورية، لكن بشكل مخفف ومن دون الالتزام بالفكرة الأخيرة، أعني دراسة وسائل وقف مثل هذه الاستخدام من قبل الأمم المتحدة .كان من الضروري والممكن، ولا يزال من الضروري أن نصر على مثل هذا الموقف، وأن نحول مسألة استخدام أسلحة الدمار الشامل إلى قضية قائمة بذاتها، بحيث يمكننا، بالمزيد من الاصرار والجهد، أن نحول هذا العمل الإجرامي إلى قضية قائمة بذاتها، وأن نستفيد من تعبئة الرأي العام العربي والدولي حولها لدفع الأمم المتحدة إلى الانخراط في حملة مواجهة السياسة الوحشية للنظام، ونعيد صورة الثورة إلى حقيقتها في مواجهة دعاية النظام وحماته التي تركز على قضايا الإرهاب والنصرة وغيرها .
فليس هناك إرهاب وتطرف وتعصب أكبر من هذا العمل المشين الذي يدفع حاكمين إلى قصف شعبهم الآمن بأسلحة الدمار الشامل. ومهما كان الحال، هذه حملة لا ينبغي أن نتخلى عنها. ونحن جميعا مدعوون في المهاجر وبجميع الوسائل الفنية والإعلامية وجميع اللغات إلى المشاركة فيها وتدعيمها.
الثورة تدخل عامها الثالث
تدخل الثورة السورية عامها الثالث ولا يزال أبناؤنا يضربون الأمثال في الدفاع الأسطوري عن حقوقهم في الكرامة والحرية ويقدمون الشهداء قوافل كل يوم من أجل الخلاص من حكم القتلة والطغاة .
لم يمنعنا نقص العدة والعتاد، ولا مؤامرات الأعداء، في الداخل والخارج، ولا ما يحاط به نضالنا من تشكيك وتشويه، من تحقيق أكبر الانتصارات في وجه أعتى النظم الفاشية التي لا ترتدع عن استخدام أي سلاح، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، لتكبد أبناء شعبنا أقسى الخسائر في الأرواح والممتلكات .
في هذه المعركة البطولية، معركة الكرامة والحرية لشعب كامل، سقط آلاف الشهداء، من أبنائنا ،من المدنيين والعسكريين المنشقين الذين أعدموا غيلة، وعانى من الاعتقال والسجن والتعذيب والتنكيل مئات آلاف السوريين، من النساء والرجال، من الشيوخ والأطفال، واختطفت الدولة من قبل مجموعة من الفجار والمارقين، وأخذت فيها طوائف بكاملها رهائن، واستخدمتها درعا لحماية القتلة والمجرمين، واضطر ملايين من مواطنينا، جلهم من الأطفال والنساء، إلى طرق سبل الهجرة والنزوح، والعيش في ظروف لا إنسانية، كما دمرت مدن بكاملها على رؤوس أبنائنا وأهلنا، وهدرت موارد البلاد وتمت التضحية بمقدراتها ومستقبلها، وعم البلاء وشملت النكبة كل سوري، مهما كان موقفه أو انتماؤه
هذا الوضع المأساوي الذي نعيشه هو المحصلة الطبيعية لتمسك طغمة حاكمة، مارقة وحاقدة على الأمة والشعب، بسلطة أرادتها أن تكون أبدية وملكية عائلية وشخصية. وقررت أن تقف بكل الوسائل في وجه تطلعات شعبنا وحقوقه الطبيعية. واستخدمت كل وسائل القوة لقهره وتنظيم عمليات قتله اليومية، متجاهلة كل القيم والمباديء والمواثيق التي قامت وتقوم عليها كل حياة وطنية، بل إنسانية، وهي المسؤولة الأولى عن هذه النكبة التاريخية..
وهو ثانيا النتيجة الطبيعية لإصرار بعض الدول المأزومة، وعلى رأسها ايران وروسيا، على وضع مصالحها القومية، السياسية أو الاستراتيجية فوق أي اعتبار إنساني أو أخلاقي، وعلى حساب حياة الملايين من أبناء الشعب السوري ومصلحة سورية ومستقبلها، واستسهل بعضها القتل الهمجي المنظم بدوافع طائفية، وأملا بتحقيق مشاريع امبرطورية لن يكون مصيرها مختلفا عن مصير النظام الذي تدافع عنه وتستخدمه قناعا لمطامعها الإقليمية.
وهو ثالثا التعبير عن العجز الفاضح للمجتمع الدولي، واستهانة معظم دوله بحياة مواطنينا السوريين ومصيرهم، وللحسابات الشريرة لبعض الدول، بما فيها بعض من ادعت صداقة الشعب السوري ،وترددها، وخوفها من اتخاذ القرارات الواجب اتخاذها من أجل حماية المدنيين السوريين، ومد يد العون لهم، في مواجهة نظام لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة للبقاء في الحكم، واكتفائها بتسجيل المواقف والتهديد باتخاذ الإجراءات التي لم تغير شيئا من واقع التمادي في الانتهاكات الجماعية الصارخة لحقوق الانسان ومواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
وهو رابعا ثمرة إخفاق المعارضة السورية أو من هو في حكمها، في الارتقاء بفكرها وأدائها إلى مستوى التحديات التي يواجهها الوطن والشعب، واستمرار الكثير من أعضائها في تقديم المصالح الخاصة ،الشخصية أو الفئوية، على مصالح الشعب والثورة، وهذا ما شكل نبعا لا ينضب للانقسامات والنزاعات الداخلية.
لكن شعبنا السوري لن يقهر. فالشعب الذي قبل التضحية بروحه وماله وكل ما يملكه من اجل كرامته وحرية ابنائه لن يوقفه أي عائق عن متابعة مسيرته حتى النصر. وهو مستمر في كفاحه البطولي من أجل بناء الوطن الذي يستحق، وطن الحرية والكرامة، وطن جميع السوريين. وهو الذي سوف يعيد لسورية وجهها الانساني مثل ما سيعيد للتاريخ وجهه السوري المضيء.
نظام القتل واستباحة كل الحدود والمحرمات إلى زوال، وهو يفقد كل يوم مواقع إضافية وتتفكك آلته الحربية والقمعية تحت ضربات ثوارنا المحكمة، ولن تستطيع ايران ولا روسيا ولا أي دولة
أخرى أن تنقذه من مصيره المحتوم .
وبالعكس تتقدم مواقع الثوار كل يوم وتزدادا قدراتهم القتالية .
ونحن نقول لهم ولجميع أبنائنا من السوريين بأننا لن نتراجع ولن نساوم ولن نتردد في معركة المصير الوطني. سنبقى أوفياء لشهدائنا متمسكين بحقوقنا، أقوياء بتضامننا واتحادنا