ماجد كيالي
بعد قرابة عامين على اندلاعها بدا وكأن الثورة السورية باتت في مرحلة الخطر، وفق تصريحات قادتها، السياسيين والعسكريين والنشطاء الميدانيين، فثمة احساس بأن «أصدقاء سوريا» لم يفوا بتعهداتهم، فالدعم المالي لم يصل، وامدادات السلاح توقفت تقريبا، والدعم الإغاثي لا يشتغل جيدا، مع المشاهد المؤسّية للنازحين في مخيمات اللاجئين في الاردن ولبنان، وثمة أكثر من مليوني نازح داخلي، حتى الدعم المعنوي والسياسي لم يعد على مايرام، فيما بدا وكأنه نوع من التواطؤ الدولي، والاقليمي على خذلان ثورة السوريين، في وقت مازالت فيه الآلة العسكرية للنظام الساقط تمعن فيهم قتلاً وتدميرا في ممتلكاتهم وعمرانهم.
لكن الحديث عن دخول الثورةً السورية مرحلة الخطر لا يقتصر على العوامل الخارجية، فهذه مفهومة، فلا أحد يتوقعّ أن يقوم هذه الدولة او تلك بالثورة، وإسقاط النظام، بدلا من السوريين ،فضلا عن انه من البديهي ان تتعرض ثورة السوريين لمداخلات سلبية، ومعيقة، تهدف الى الاضرار بها، وتشويه صورتها، والحد من تأثيراتها، لاسيما ان سوريا بلد مفتاحي، وأية تغييرات فيه، تؤثر على الدول المجاورة له .
القصد من ذلك التوضيح بأن الثورة السورية باتت في مرحلة الخطر، أيضا، بواقع عدم قدرتها على بلورة خطاباتها وتنظيم ذاتها وتطوير قدراتها، في مختلف الميادين، وذلك على رغم مرور عامين على اندلاعها .
فعلى الصعيد المجتمعي لم تستطع هذه الثورة أن تستقطب مجمل مكونات المجتمع السوري، ولو إلى فعالياتها الشعبية والسلمية، من تلك التي ما زالت تعتبر نفسها، عن وعي معين )ولو عن غير حق(، على الحياد، رغم كل القتل والتدمير الجاري.
ربما كان من السهل تحميل تلك الجماعات مسؤولية ذلك الموقف، وقد يستمرئ كثيرون توصيف ذلك بتعبيرات هوياتية، طائفية أو مذهبية أو اثنية، لكن هذا وذاك لا يحلان شيئا، فضلاً عن أن لا جدوى منهما. والواقع أن القوى الفاعلة في الثورة تتحمّل قسطا من المسؤولة، بتلًوّن خطاباتها ،وتخبطّ أشكال عملها، وضمن ذلك، مثلاً، تسمية أيام الجمع، والكتائبً العسكرية، وبياناتها المتعلقة
باحتكار التقرير بماهية مستقبل سورية، مع رفع بعضها للرايات السود، بدلاً من علم الثورة السورية ،فهذه كلها شوّشت على هوية هذه الثورة، كثورة وطنية، وعلى مقاصدها، بشأن اعتبار سورية وطناً لكل السوريين.
هذه الحال لم تسهّل عملية الاستقطاب لمصلحة الثورة، علما أن هذا الأمر لا يتعلق بجماعات طائفية أو مذهبية أو اثنية بذاتها، إذ أنه يشمل، أيضا، قطاعات لا بًأس بها من المجتمع الاسلامي «السني ،»المديني، الذي لم ينخرط في الثورة الى الدرجةً المناسبة، لا سيما في مدينتي دمشق وحلب، وهذا ينطبق على احياء كاملة في قلب هاتين المدينتين، بدليل أن قطاعات الدولة ذاتها ما زالت تشتغل.
هذا يعني أن الثورة معنية ببذل الكثير من أجل استقطاب مجمل الجماعات السورية إلى معمعانها ،لا العمل على عكس ذلك، كمثل تركيز الحديث على انشاء دولة دينية، أو مذهبية، ما يثير مخاوف الجماعات الأخرى، ويوحي بإقصائها من نطاق الشعب السوري، فضلاً عن أنه يثير القلق لدى أهل الجماعة «السنية» نفسها، التي اعتادت على الوسطية والاعتدال، والتي لم يترسّخ في وعيها أنها تشكّل جماعة طائفية أو مذهبية، مستقلة في ذاتها .
أيضا، فإن معضلة الثورة السورية تكمن في غياب القيادة عنها، وفي أن القوى المحركة لها لا تعمل في إطًار من التوافق والترابط والتكامل. فالائتلاف الوطني، مثلاً، كقيادة سياسية، ما زال لم يتمكن من العمل على هذا النحو، لا إزاء الحراك الشعبي )التنسيقيات والهيئات واللجان المحلية(، ولا ازاء الجماعات التي يتشكّل منها «الجيش الحر». وبدوره فإن «الجيش الحر» لا يعمل كجيش، لافتقاده الهيكلية وهيئة الاركان، ولخضوعه لمرجعيات متعددة، تبعا للأطراف المشكلة له، أو للأطراف التي تدعمه من الناحيتين المادية والتسليحية. أما الحراك الشعًبي، وهو القوة التي اطلقت الثورة السورية، ومنحتها شرعيتها، فبات في وضع صعب جدا، لا سيما بعد أن بات يفتقد كادراته، التي تمت تصفيتها إما بالقتل، أو بالاعتقال، أو بالاختفاء، أو بالخًروج من البلد.
طبعا، لا بد من تفهّم الصعوبات والتعقيدات التي تواجهها هذه الثورة المستحيلة، لكن ثمة مسؤولية تقع عًلى عاتق القيادات السياسية والعسكرية والشعبية، التي لم تستطع بعد عامين الارتقاء بالصيغ التنظيمية لعملها، بسبب بعض الحساسيات الشخصية، وبعض الحسابات السياسية الضيقة. ومثلا ،فإن الائتلاف الوطني ما زال لم يحسم فكرة الارتقاء بوضعه الى صيغة الحكومة الانتقالية الموقتة ،رغم أن الواقع بات يفرض ذلك لمركزة عمل القيادة السياسية للثورة، وتوضيح كيانيتها، مع وجود مناطق محررة، وتحسّبا لأي فراغ سياسي قد يحصل في الفترة القادمة. والغريب رهن ذلك، أي حاجة السوريين وثورتهم الى هًذا الانتقال، لاستجابة الخارج لشرطين، هما الاعتراف والدعم المالي، بدلاً من أخذ زمام المبادرة في تشكيل هكذا حكومة، وفرضها على الأرض، وجلب الاعتراف والدعم لها في ما بعد، كونها حاجة سورية أولاً، وأخيراً، قبل ان تكون مطلباً دولياً.
وعلى الصعيد العسكري فإن الوضع ليس أفضل حالاً، إذ بات ثمة قوى تعتبر نفسها خارج اطار «الجيش الحر». وهذا لا ينطبق فقط على التشكيلات العسكرية التابعة لـ «جبهة النصرة» وأخواتها ،وإنما بات يشمل تشكيلات كل من «الجبهة الاسلامية السورية»، وجبهة تحرير سورية الإسلامية .واللافت أن دور «الجيش الحر» آخذ في التضاءل فيما تصعد هذه التشكيلات والجبهات التي تعتبر نفسها مستقلة عنه وعن الائتلاف، ناهيك عن خطاباتها التي تدّعي احتكار التقرير بمستقبل سورية ،من مدخل القوة العسكرية!
ظاهرة اخرى باتت تعاني منها الثورة السورية وهي ظاهرة العسكرة، وهذه ليس لها علاقة بمقاومة النظام بالسلاح، بقدر ما له علاقة بتسيد المكون العسكري على المكون السياسي، وطغيان الطابع العسكري على الطابع الشعبي، وسيادة لغة العنف، او التهديد بالعنف، في التعامل مع البيئات المجتمعية. طبعا ثمة ظواهر سلبية تنشأ عن ذلك، مثل الخطف، وطلب الخوات، ونهب الممتلكات ،وقد يمكن إحالتهًا للشبيحة، الذين اخترقوا بعض جماعات «الجيش الحر»، كما الى خارجين عن القانون، باتوا يستغلون الفراغ، لكن ثمة حالات ثبتت على بعض منتسبي الجيش الحر، من ضعاف النفوس، الذين استغلوا مكانتهم للقيام بهكذا أعمال، وهي أمور ينبغي وضع حد لها .
لا تنبع المشكلة من هذه الوضعية فقط، فثمة أيضا مزاجية في عمل بعض التشكيلات العسكرية، وفي غياب خطة موحدة، وفي التبعات المكلفة التي تنجًم عن عمل بعضها في المناطق التي توجد فيها .واضح أن الأمر لايتوقف عند تنظيم «الجيش الحر»، وإعادة هيكلته، وتصويب عمله، فهو يفترض ،أيضا، إيجاد مرجعية سياسية له وحصر مجاله في العمل العسكري، لضمان عدم تغول العسكري على السياًسي، وبالتالي على المجتمعي في الثورة السورية .
وهذا يفتح النقاش بشأن الاستراتيجية العسكرية المعتمدة، المتعلقة بدخول أحياء المدن المكتظة بالسكان، إذ لاتبدو موفقة، ولا مدروسة، بقدر ما إنها كانت متسرعة، ولم تأت بالنتائج المرجوة منها .وهذا يؤكد مشروعية التساؤل بشأن جدوى ما يسمى «تحرير» بعض المناطق، التي تعتبر أصلاً بمثابة بيئات محررة، او حاضنة للثورة، حيث ان هذا «التحرير» يحيلها إلى مناطق منكوبة، وخالية من السكان، الأمر الذي سهّل الأمر على النظام أكثر مما على الثورة، في عديد الحالات. وإذا أعدنا ما ذكرناه سابقا بشأن عدم وجود جيش بمعنى الكلمة، يصبح مفهوما عدم وجود استراتيجية أو طريقة مدروسة لوضع الخطط وصنع القرارات، ما يضر بالثورة وبصورتها وبسلامة مسارها.
ويأتي في هذا الإطار عدم مراعاة الحساسيات والحسابات في بعض البيئات المحلية كمثل الدخول في معركة في رأس العين )سري كانية(، أو السيطرة على مخيم اليرموك من دون دراسة لعواقب ذلك ،ومن دون الإرتباط بخطةّ عامة، أو اعتماد تفجير السيارات وسط مناطق مدنيّة )كما حصل مؤخرا في السلمية(، أو السكوت عن بعض التجاوزات المسلكية والأخلاقية، كما يأتي ضمن ذلك عدم نجدةالكتائب لبعضها، كما حصل في دير بعلبة، وربما في اماكن اخرى.
والحاصل فقد نتج عن سياسة «تحرير» أحياء المدن نتائج خطيرة، ومؤذية، إذ حرمت الثورة من حواضنها الشعبية، وتم تدمير مجتمع الثورة، من حلب إلى حمص ودمشق ودرعا، بعد أن ترك السكان بيوتهم خوفا من تدميرها على رؤوسهم من قبل النظام، وهو عدد بحجم أربعة ملايين شخص. وفي ذلك فقد ارتاح النظام من البيئات الشعبية المعادية له في هذه المناطق، لاسيما بعد ان بات سكانها دون بيوت وموارد، وفي حالة مأساوية لا تمكنهم من رفد الثورة. طبعا ثمة خيارات بديلة ضمنا التركيز على مهاجمة الأهداف العسكرية للنظام وإحكام السيطرة على الأرياف، لإضعاف النظام في حلقاته الضعيفة.
عموما، هذا نقاش يتعامل مع وجود المكون العسكري، من دون صلة بالجدل المتعلق بالمفاضلة بين السًلمية والعسكرة. ومع التقدير لكل التضحيات، ولدور المكون العسكري، في كسر هيبة النظام واستنزافه، فإن العسكرة ينجم عنها، أيضا، ارتهان لمصادر التمويل والتسليح، وضمور في البعد الشعبي للثورة، وفوق ذلك فإنها تخلق تظلمات كثيرة في المجتمع، وتعزز المخاوف على المستقبل ،لاسيما على مستقبل الإجماعات الوطنية، وكلها أمور لا ينبغي تركها للصدف ولا للأقدار؛ وبالتأكيد فللحديث بقيّة .
أما على الصعيد السياسي، فيبدو ان ثمة مشكلة في كيفية استثمار هذه الثورة لأوراقها، وللتضحيات التي بذلتها، كما ثمة مشكلة في كيفية قراءة الثورة للواقع والتعقيدات المحيطة بها. وما ينبغي التأكيد عليه هنا هو هذا النظام الساقط لم يعد له أي قدرة على الاستمرار، فسورية تغيرت، وليس بالامكان ارجاع عجلة التاريخ إلى الخلف، وهذا أمر مفروغ منه.
لكن ما يجب الانتباه إليه في غضون ذلك أن الثورة السورية، كأي ثورة، قد تضطر، في إطار صراعها ،من أجل تحقيق هدفها، بإسقاط النظام، إلى خوض تسويات معينة، في سبيل تقليل الأكلاف والمخاطر ،لا سيما إذا كانت قواها ليست على الدرجة التي تمكّنها من تحقيق الغلبة بأكلاف معقولة ومحمولة.
مجدّدا، لا أقل من إسقاط النظام، الذي لا شرعية له، لكن مشكلة الثورة السورية أنها لم تستطع إنجاز ذًلك بعد 22 شهرا على اندلاعها، و 60 ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى، وثلاثة ملايين لاجئ ونازح، وكل هذا الخرابً في البيوت والممتلكات والعمران، على رغم تصميم السوريين وتضحياتهم ومعاناتهم وشجاعتهم المدهشة، التي جعلت من ثورتهم الأبهظ كلفة بين مجمل ثورات الربيع العربي، وغير العربي.
ثمة مشكلات وتعقيدات كبيرة لهذه الثورة، وكلما استمرت كلما ازدادت، وهذا طبيعي، ويمكن تفهمه، وخصوصا لكون سورية بلدا مفتاحياً، يؤثر في جوارها، وما بعد جوارها، كما قدمنا، وهنا إسرائيل أيضاً، التيً يحرص الغرب علىً ضمان أمنها.
هكذا ففي الداخل ثمة واقع اجتماعي جد صعب، ومعقد، فثمة جماعات سورية لم تنخرط تماما في الثورة، ليس حباً بالنظام، وإنما لعدم يقينها من المستقبل. أيضا، ثمة إجهاد واستنزاف لمجتمع الثورًة ،ذلك أن المناطق الحاضنة تعرضت لتدمير منهجي، ووحشي، ماً يصعّب على الثورة، ويزيد أعباءها ،لا سيما مع تفتتّ البيئات المجتمعية المساندة، وتشرد أبنائها، وافتقادهم لقمة العيش. هذا ليس بالشيء الهيّن، لأنه ينعكس على فعاليات الثورة، بتآكل طابعها المدني/الشعبي، وهذه ليست حالة صحية، فضعف مجتمع الثورة يضعف الثورة ذاتها، حتى لو امتلكت أسلحة، ما ينبغي ملاحظته، لا سيما أن من مهمات القيادة التقليل من المخاطر وإدارة الموارد بأفضل ما يمكن، والوصول إلى الهدف بأقل أكلاف ممكنة.
أما بالنسبة إلى الوضع الدولي، فمن الواضح أن الثورة بحاجة ماسة لمساعدات خارجية، للتسهيلات اللوجستية، وللسلاح، والدعم المالي، لكن الدول لا تشتغل كجمعيات خيرية ولا بعقلية مبدئية أو أيديولوجية، ولا بالعواطف، وإنما تشتغل بعقليات براغماتية وسياسية ومصلحية، وبديهي أن أي دعم يقدم للثورة إنما يبتغي إخضاعها إلى ارتهانات وتوظيفات وتوجيهات معينة، ما يفرض على الثورة تنظيم تصريفها لطاقتها، وتعزيز الاعتماد على مواردها، والموازنة بين حاجاتها ومبادئها، وبين إمكانياتها وأشكال عملها.
لكن ذلك لا يفترض التراجع عن المضي بهدف إسقاط النظام، الذي هو «الصحّ الوحيد» في حياة السوريين، على ما يقول ياسين الحاج صالح محقّا، وإنما يعني التعامل مع هذا الوضع المعقد بعقلية سياسية، لا بعقلية أيديولوجية تطهرية وشعاراتيةً، فالصراع لا بد أن يفضي إلى حلول سياسية، وبقدر ما أن مهمة القيادة المسؤولة التأكد بأن لا تعيق هذه الحلول إنجاز الهدف المتوخّى، بل أن تشكّل طريقا محتوما إليه، فإن مهمتها أن لا تجد نفسها فجأة في واقع يفرض عليها القبول بأي شيء.
الحقيقًة أن هًذا الوضع كانت رصدته بصورة أعمق مواد سابقة نشرتها هذه الصحيفة، لا سيما للزملاء ياسين الحاج صالح) 9/12( وجاد الكريم الجباعي) 31/12( وعصام الخفاجي) 1/1( وعبد الوهاب بدرخان) 3/1( وراغدة درغام) 4/1(.
هذا يفيد بأن الثورة السورية أحوج ما تكون إلى طرح مبادرة سياسية، أو «خريطة طريق» للمرحلة الانتقالية، لتوضيح ذاتها إزاء الأطراف المكونة لها، وإزاء مجتمعها، بمختلف أطيافه وتلاوينه، وإزاء العالم، الذي تنشد دعمه، هذا من دون صلة بخطة الإبراهيمي أو غيرها، هذا له علاقة بالثورة ومصالحها وطريقة إدارتها لأحوالها.
الآن، ثمة في مجال التداول في شأن سورية مشروعان، أولهما يتأسس على تسوية مع بقاء النظام ،وثانيهما يتأسس على تسوية من دون النظام. المشروع الأول، تطرحه كل من إيران وروسيا، وهو مناسب للنظام، لأنه يطيل عمره، لكن مشكلته أن الزمن تجاوزه، بالنسبة إلى غالبية السوريين، أيحتى للجماعات الصامتة والمترددة، كما بالنسبة إلى القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الوضع السوري.
أما المشروع الثاني، الذي يقوم على مرحلة انتقالية من دون الأسد وطغمته الحاكمة، فتقف وراءه قوى دولية وإقليمية، وهي تنضجه على مهل، في مراهنة على وهن النظام، وإمكان تراجع روسيا عن عنادها في شأن إبقاء موطن قدم للأسد في هذه التسوية. هذا مشروع موجود، وتحدث عنه الإبراهيمي بعبارات ديبلوماسية غامضة ضمنها قوله أن «السوريين يفضلون نظاما برلمانيا على نظام رئاسي»، و»أنه لامكان للأسد في المرحلة الانتقالية»، كما أكد عليه وزراء خارجية كًل من فًرنسا وبريطانيا ومصر وقطر والسعودية، والناطقة بلسان الخارجية الأميركية، الذين تكلموا صراحة، في الأيام الماضية، عن أن لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية، وأن على الأسد أن يتنحّى.
هذا مشروع ربما يشكّل فرصة مواتية للثورة السورية للبناء عليه، وتكريس فكرة إسقاط النظام، مع أدواته الأمنية. أما نهج الرفض المسبق والمطلق لأي حل، حتى ولو كان يتقاطع مع إسقاط النظام ،لصالح التشبّث بالحل العسكري وحده، فهذا قد يضعف الثورة، ويتركها لمصيرها، ويزيد أكلافها ،ويصعّب من طريقها، لا سيما بعد أن باتت ثورة مسلحة وتحتاج إلى الكثير، القليل منه لا يتوفرّ ،كما هو واضح.
القصد أن الثورة السورية معنية بأخذ زمام المبادرة، بطرح «خطة الطريق» خاصتها للمرحلة الانتقالية، وملاقاة أي تصور سياسي يتأسّس على الانتهاء من النظام، وربما أن هذه الثورة معنية، فوق ذلك، بالمبادرة إلى تشكيل حكومة انتقالية موقتة، تكون أكثر تمثيلاً لمجمل مكونات الشعب السوري .الخطة والحكومة باتتا بمثابة ضرورة لترشيد إدارة الثورة لأحوالها ولمجتمعها، بعد عامين تقريبا على انطلاقها، ومع وجود مناطق محررة واسعة، تحتاج إلى مجالس محلية، فالدول تدار بالحكوًمات وليس بالائتلافات السياسية، والحكومات تعترف بحكومات لا بجماعات سياسية أو عسكرية.
فضلاً عن ذلك فإن السوريين معنيون بتوضيح الطابع الديموقراطي والمدني لثورتهم، لا تصدير جماعة مثل «جبهة النصرة». والأهم أن الشعب السوري بمختلف أطيافه بحاجة إلى ذلك، أي إلى نوع من يقين بشأن المستقبل، هذا ينطبق على «طائفة» الصامتين و «طائفة» المترددين و «طائفة» الخائفين .
هؤلاء ينبغي أن تستقطبهم سورية المستقبل، وأن تتشكّل التسوية معهم في عقد اجتماعي جديد.
طبعا ثمة من يعتقد عدم جواز عقد أي تسوية، وأنه ينبغي المضي بالثورة المسلحة إلى نهاياتها ،لكنسً نظام الأسد نهائيا، ومحاكمته هو وأتباعه، أو قتله كما القذافي، لكن هذا يتطلب شروطاً كثيرة ،أغلبها غير متوافر، فضلاًً عن أن تأمين هذه الشروط والمستلزمات )لا سيما ما تعلق بالسلاح والمال وحرية الحركة( يفرض شروطاً على الثورة ذاتها، ضمنها الارتهان لدول إقليمية وغربية؛ وبديهي فإن هذا النقاش ليس ثمة أي داع له لو ان هذه الشروط كانت متوفرة في الواقع السوري الراهن، وعلى المدى المنظور.
عموما، ففي السياسة والصراعات السياسية لا يجوز القول برفض الحلول السياسية بشكل مطلق ومسبقً، كما لا ينبغي إعطاء هذا النظام الخسيس فرصة لمزيد من التقتيل والتدمير بحق سورية والسوريين، فشعار العار: «سورية الأسد إلى الأبد»، انتهى إلى غير رجعة، وهذا النظام ساقط. المهم أن لا يسقط وأن لا يتكسّر على رؤوس السوريين.
وقصارى القول، فإن الثورة السورية في خطر، لذا فهي مطالبة بتوضيح ذاتها، ماذا تريد؟ وما تعريفها للسوريين؟ وما رؤيتها للمستقبل؟ هذا ضروري من أجل ترتيب الثورة لأحوالها، ومن توضيح ذاتها لكل السوريين، وبعده من أجل توضيح ذاتها للخارج. وبالتأكيد فإن السوريين بشجاعتهم وتضحياتهم وتصميمهم يستحقون كل ذلك. فالثورة السورية وجدت لتنتصر